
انطلاق برنامج رحلتي الفكرية
انطلق في اسطنبول يوم السبت 27 سبتمبر 2025 برنامج جديد من برامج غراس للإنتاج الفكري تحت عنوان (رحلتي الفكرية) تلبيةً للحاجة الماسة على الأرض للقاءات فكرية تحتضن الشباب وتجمعهم بالمفكرين والمؤثرين من رواد المعرفة، لطرح مواضيع من شأنها إعادة توجيه البوصلة نحو القضايا المركزية.حيث يتضمن البرنامج عقد لقاء شهري (رحلة مصغرة) بمجموعة ثابتة من الشباب النخبوي والذين يشكلون عقدة التواصل الفعال مع فئات شبابية أخرى.
وتضمن اللقاء محاضرتين قيمتين، كانت الأولى بعنوان: النظرية السياسية في الإسلام، ألقاها د. حاتم عبدالعظيم أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله، المهتم بقضايا الإصلاح الاجتماعي والسياسي من منظور إسلامي.
تناولت المحاضرة بعمق إشكالية “الاستلاب الحضاري” والتبعية الفكرية التي تواجه الأمة الإسلامية، حيث حذّر الدكتور حاتم عبد العظيم من خطورة تمييع الحدود الفاصلة بين الذات الحضارية الإسلامية والآخر. وانتقد الطرح الذي يزعم أنّ الإسلام لم يأتِ بنظرية أو نظام سياسي متكامل، معتبراً هذا الادعاء “علة فكرية” وشديد الخطورة لأنه يهدف إلى تمييع أصول الدين. وأكدّ أن الحضارة الإسلامية، المستمدة من الوحي، تمتلك إجابات شاملة لكل أسئلة الحياة، وأن لها تركيباً هرمياً متكاملاً يبدأ من العقيدة (الأيديولوجيا)، ثم تنبثق منه النظريات (كالنظرية السياسية)، وأخيراً تتجلى هذه النظريات في نظم ونماذج تطبيقية. واستعرض المحاضر التجربة الغربية كمثال، موضحاً كيف تطورت حضارتهم من أساسها العلماني (عقيدة) إلى نظريات (ليبرالية، ديمقراطية، رأسمالية) ثم إلى نماذج حكم متنوعة (رئاسية، برلمانية)، ليخلص إلى أنّ استيراد النماذج التطبيقية (مثل الديمقراطية) دون فهم أو تبني جذورها العقدية والفكرية هو مدخل مدمر للهوية الحضارية للأمة، ودعا إلى ضرورة استلهام الشريعة لبناء نماذج سياسية واقتصادية نابعة من الذات الحضارية الإسلامية وقادرة على المنافسة والتفوق.
وفي المحاضرة الثانية التي ألقاها د. عبدالله التيجاني تحت عنوان (النقلة الحضارية والمواجهة الفكرية) جرى طرح معمق لمفهوم “النقلة الحضارية” للأمة الإسلامية، حيث أكد د. التيجاني أنها لا تتحقق بالانغلاق على التراث الفقهي وحده، بل عبر بناء نموذج معرفي وحضاري شامل يجمع بين أصالة الوحي وعلوم العصر، وأن هذا النموذج الإسلامي المتكامل، حين يدرك الغرب خطورته وقوته، فإنه يلجأ إلى مواجهة فكرية شرسة تستخدم آليات التزييف والتشويه، كاختلاق أكاذيب عن القرآن الكريم، أو سرقة المفاهيم الإسلامية ونسبتها إلى الفكر الغربي. وفي المقابل، استعرض المحاضر تفوق النموذج الإسلامي في تطبيقاته العملية القائمة على “الرحمة” لا “الصراع”، وقدم نماذج قرآنية حية من سورة الكهف وقصة يوسف -عليه السلام- كخرائط طريق لبناء الدولة والمجتمع، بدءًا من الأمن والصحة وصولًا إلى الاقتصاد والإعلام، مؤكدًا أنّ مؤسسات كالزكاة والوقف هي التجسيد العملي لهذه الحضارة القادرة على تقديم حلول جذرية للعالم.
ويأتي هذا اللقاء الأول باكورة سلسلة من اللقاءات المقسمة إلى محاور موضوعية تناقش جملة من القضايا المهمة، حيث سيركز اللقاء التالي على أسس النظرية الإسلامية، ومفهوم الدولة الحديثة ومدى توافقها مع النظرة الإسلامية.
يسعى مركز غراس للإنتاج الفكري من خلال طرحه هذا البرنامج النوعي إلى تحقيق المساهمة في نشر الأدوات السليمة للتغيير المجتمعي وفق الأسس الإسلامية وزيادة التأثير لإحداث التغيير في الأوساط الشبابية والنهوض بالمستوى العلمي والمعرفي.
مركز غراس للإنتاج الفكري_وحدة الفعاليات



