
قيم ومبادئ الإسلام في العلاقات الدولية
يتناول النص القرآني العلاقات الدولية بشكل شامل متكامل، ويسرد آيات متعددة تضع قواعد عامة وأسس تفصيلية للعلاقات الدولية، بمعنى أنها قابلة للاستنباط كنظرية كاملة، يمكن للفقهاء التأسيس عليها وموائمتها مع التطور العلمي والدولي.
والقرآن الكريم إما أنه يسرد آيات ذات قيم عامة تأسيسية، تتضمن قيم التعامل مع الأخرين المختلفين أيا كانت صفاتهم أفرادا أو جماعات، وهي قيم أصيلة في الدين الإسلامي تتثمل بقيم التسامح والعدل، والود والتعاون وغيرها، وتمثل القاعدة التي تستند عليها كل النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية.
وإما أن القرآن الكريم يذكر قواعد خاصة ومباشرة ترتبط بقيم وممارسات في العلاقات الدولية، تلخص الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية، كما هو الحال فيما ورد في سورة الممتحنة التي تعبر عن العلاقات الدولية في حالة الحرب وحالة السلم، حيث يقول الله تعالى (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم) (الممتحنة، الآية 7)
هذه الآية تشير إلى أن العلاقات الدولية في الإسلام هدفها إقامة السلم عامة قبل الحرب وبعد الحرب، وتدعو لبناء المودة، حتى لو حدث بينكم حرب سابقة، وهذه الآية شديدة الأهمية من ناحية أنه ليس هناك عداء دولي دائم لاي دولة، وأن الحروب والصراعات قد تحدث لكن لا يجب أن يسمح للعلاقات الدولية الإسلامية، أن تأخذ شكل العداء الدائم، وفي تدبر الآية يمكنك أن تلاحظ أن الله سبحانه وتعالى، قد ختم الآية بقوله ( والله غفور رحيم).
إنه منحى غير مسبوق في الدعوة لعلاقات دولية تنبثق من قيم الإسلام الحنيف الأساسية، التي جاء بها الإسلام لعمارة الأرض، علاقات دولية تقوم على الود والقسط والتراحم وأن المواجهة والحرب لا تتم إلا في حالة رد العدوان، أي أنه يضبطها بحالات خاصة جدا
الآية الثانية قوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (الممتحنة، الآية 8)
في هذه الآية دعوة تامة إلى أن القيم الأساسية للإسلام في العلاقات الدولية البر والقسط، وأن على الدولة المسلمة إيجاد أساليب ووسائل في العلاقات الدولية، تقوم على البر والقسط مع الأمم الأخرى، وهذا هدف أصيل وعميق لإنجاح العلاقات الدولية، لم تنجح حتى الآن ان تصله العلاقات الدولية، إلى وصل الكثير من الباحثين الغربيين ، ان الأصل في العلاقات الدولية هو الصراع، حتى ان بعض المفكرين المسلمين أيضا تورط في هذه الفكرة، دون تعمق وتدبر، وقد حشد العديد من اليات التي تشير الى التعامل مع الكافرين اثناء الحرب وعممها على العلاقات الدولية .
لذا يأتي تأكيد الله سبحانه تعالى وتشديده في (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) (الممتحنة، الآية 9)
هذه الآية شديدة التوكيد والدلالة على رؤية الإسلام السلامية والسلمية في العلاقات الدولية، وتضع الضوابط الأساسية في العلاقات الدولية مع الدول، وتبين أن الضابط في العلاقة مع أي دولة في العالم لدى المسلمين هو السلم، ويستثني من ذلك حالة واحدة هو ألا تكون هذه الدولة دولة معتدية على المسلمين وعلى حقوقهم، وفي هذه الحالة يبيح النص القرآني للمسلمين الانتقال من حالة السلم إلى حالة الحرب، ويشدد على ضرورة المقاطعة التامة معها، وهو تأكيد من زاوية أخرى على سلمية الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية، لأن هذه الآية مرتبطة بما قبلها، أي أن الآية الثامنة قيمة عامة، والآية التاسعة استثناء يؤكد القيمة العامة ويشدد على أن القيمة العامة هي الأصل .
وفي سياق تدبري أيضا، إذا عدنا إلى ما بدأت السورة – سورة الممتحنة- نجد أنها تبدأ بما فعله أعداء الله تعالى مع المسلمين، وما يريدون أن يفعلوه معهم (يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم، أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) (الممتحنة، إلاية1).
ثم يقول الله تعالى (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون) (الممتحنة، الآية 2)
ومع ذلك أمر الله تعالى فيها بالعدل وعدم الظلم، كما أكد ذلك قوله تعالى[1] (لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (المائدة، الآية 2).
هذا يؤصل لخصوصية رؤية الإسلام للعلاقات الدولية، إنه منحى غير مسبوق في الدعوة لعلاقات دولية تنبثق من قيم الإسلام الحنيف الأساسية، التي جاء بها الإسلام لعمارة الأرض، علاقات دولية تقوم على الود والقسط والتراحم وأن المواجهة والحرب لا تتم إلا في حالة رد العدوان، أي أنه يضبطها بحالات خاصة جدا، لذلك فقد يرى بعض الغربيين، وكثير من الكتاب التابعين لهم أن هذا طرح مثالي، خاصة وأن العلاقات الدولية المعاصرة كما أشرنا سلفا علاقات يترنح العالم كله تحت وطأة قسوتها.
[1] علي محي الدين القره داغي، 2006: الأسس والمبادئ الإسلامية للعلاقات الدولية، المجلس الاوربي للإفتاء والبحوث، إسطنبول، ص3.