
النّسَوية، حركة التمركز حول الأنثى
النّسَوية، حركة التمركز حول الأنثى ([1])
ظهرت في الغرب في أواخر القرن التاسع عشر حركات تدعو إلى تحرير المرأة من الثقافات التي كانت تطمس حقوقها، في واقع اجتماعي محتقن بالتمييز ضد المرأة والتقليل من شأنها وإهدار حقوقها، وقد تطورت هذه الحركات لتعتمد خطابًا غريبًا يكتنفه الغلو والتطرف وصولًا إلى معاداة الرجل، ليتسرب هذا الخطاب إلى العالم الإسلامي ويأخذ أشكالًا متحورة إما بإنتاج نظريات يشار إليها على أنها لا تعارض الدين، بل تفكك نصوصه من أجل إخراج المرأة من سلطة التفسير الرجولي للنص، أو بتقمص النظريات الغربية ونسخها كما هي. وأمام جدلية المفهوم وتوافقه مع الدين أو تعارضه نفتح دفة كتاب سطره المفكر المصري عبد الوهاب المسيري تحت عنوان (قضية المرأة، بين التحرر والتمركز حول الأنثى) لنقف على جوهر النظرية وتحورها وتأثرها بعالم ما بعد الحداثة والنظريات المرافقة.
يحاول المسيري في كتابه هذا أن يحدد البُعد الكلي والنهائي لمصطلح النسوية فيمينزم (feminism) بأبعاده المركبة والحقيقية، وارتباط ظهور المصطلح بعالم ما بعد الحداثة والفلسفات المرافقة، وتماهي الجوهر الإنساني في عالم الطبيعة/المادة الدارويني الصراعي الواحدي الصلب، والعلاقة بينه وبين حركات التحرر الجديدة التي لم تعد تميز الإنسان عن الطبيعة بل تضعه في صراع مع أخيه الإنسان في إطار نكران المرجعيات وإسقاط الثوابت والكليات، وتعتبر الإنسان مجرد كائن طبيعي متساوٍ مع الكائنات الطبيعية الأخرى (نباتات وحيوانات)، وهي حركات متحررة من عبء التاريخ ومفاهيم الإنسانية المشتركة، لذا فإنها تدافع عن قضايا مستحدثة كالدفاع عن الشذوذ الجنسي وعن الانتحار وعن حقوق الحيوان، وترفض العودة إلى فكرة الإنسان الاجتماعي الحضاري المركب المعقد والقادر على تسخير الطبيعة وتجاوزها.
وعند التمحيص في دفاعها عن هذه القضايا يتجلى الهدف المبطن العميق والأثر الذي لا يخفى عن عين الناظر.
- الدفاع عن الشذوذ الجنسي هو دعوة لجعله أمرًا طبيعيًا مقبولاً وليس مجرد تعبير عن انحراف شخصي بل إنه هجوم على طبيعة الإنسان، وأيديولوجيا تهدف إلى إلغاء ثنائية الذكر والأنثى التي يستند إليها الوجود الإنساني.
- مبدأ حقوق الإنسان هو في جوهره هجوم على مفهوم الإنسانية المشتركة، إذْ لا يعدو الإنسان في منظور هذه الحقوق عن كونه فردًا بسيطًا ماديًا منفصلًا عن الأسرة والمجتمع، بلا مرجعية وبلا تاريخ وبلا أخلاق. ولا تتجاوز حقوقه عن تأمين حاجاته المادية البسيطة التي تضمن استمرار عملية إنتاج الإعلانات والأزياء وصناعة اللذة والإباحية والسلاح، أي إن الدفاع عن حقوق الإنسان هو دفاع عن مصالح الشركات الكبرى الرأسمالية. ولا تجد أحدًا من الناس يتكلم عن حق الإنسان الاجتماعي أو أهمية المحافظة على قيم الجماعات وخصوصيتها القومية، أو حقوق الشعوب التي تنهب ثرواتها، أو حقوق البشر في القضاء على الأسلحة التي تفتك بهم.
- الدفاع عن الأقليات لم يعد يعني الدفاع عن جماعة مستضعفة تهضم الأغلبية حقوقها، بل لقد ظهور مفهوم جديد ترعاه الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد يتمحور حول أنّ كل الناس (أقليات) ولا يوجد أغلبية، مع غياب الثوابت الجامعة وتفشي الفوضى المعرفية والأخلاقية. فتعتبر أنّ لكل أقلية حقوقها المطلقة، وهذا من الخطورة ما يجعل التعايش المشترك أكثر صعوبة وأقرب من المستحيل؛ فالحقوق المطلقة لأقلية ما والتي تنفي حقوق الآخر تتعارض مع فكرة المجتمع الذي يستند إلى الإنسانية المشتركة والعقد الاجتماعي. (الصهاينة يدّعون لأنفسهم الحقوق المطلقة، ولا يعترفون بالتعايش المشترك مع الفلسطينيين فيقومون بطردهم). وكذلك تتشعب فكرة الأقلية التي تسهم في تشظي المجتمع لتصبح الجماعات الدينية والإثنية أقلية، والشواذ جنسيًا أقلية، وأصحاب الإعاقات أقلية، والمسنون أقلية، والبدينون أقلية، والنساء أقلية.
وإذا كانت حركة تحرير المرأة تدور حول قضية تحقيق العدالة للمرأة داخل المجتمع، فإن حركة التمركز حول الأنثى (النسوية) تقف على النقيض من ذلك؛ وتسعى إلى سحق كل ما يتعلق بالذكور عبر التاريخ.
بين حركة تحرير المرأة وحركة التمركز حول الأنثى
يميز المسيري في كتابه ما بين حركات تحرير المرأة التي تقبلتها المجتمعات، وما بين حركة التمركز حول الأنثى المغالية في تصوراتها.
- حركة تحرير المرأة
يصنفها المسيري كواحدة من حركات التحرر القديمة التي تدور في الإطار الإنساني وتتسم بمجموعة من السمات منها:
- لا تنكر الإنسانية المشتركة بين الرجل والمرأة ولا تنكر الأساس الإنساني الذي يمكن أن تتحاور عليه لتحقيق العدل أو المساواة.
- تتبنى هذه الحركة الروابط الإنسانية المشتركة، وتؤمن بالإنسان الاجتماعي ودوره الحضاري المستقل عن العالم الطبيعي/المادي.
- تعتبر المرأة في تصور هذه الحركة كائنًا اجتماعيًا له دوره، إذ تسعى الحركة إلى تحقيق قدر من العدالة الحقيقية داخل المجتمع بحيث تنال المرأة حقوقها المشروعة.
- لا تهدف هذه الحركة إلى تحقيق مبدأ المساواة المستحيل، بل تتلخص أهدافها في تأمين الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة.
- لا تحارب مفهوم الأسرة الذي يحقق للإنسان جوهره الإنساني، ويكسبه هويته الحضارية والأخلاقية. وتعتبر أن المرأة لها دور محوري في الأسرة ولا يمكن فكاكها من هذه البنية الاجتماعية الركيزية.
- لا تمانع أن ينضم الرجل إليها مطالبًا بتحقيق العدالة للمرأة.
- يمكن للمجتمع أن يتبنى برامج إصلاحية ناجحة تهدف إلى تحقيق العدالة.
- تبرز في هذه الحركة صيغتها العلمانية من خلال الخطاب التعاقدي، واعتبار المرأة إنساناً اقتصادياً وجسمانياً، وليس أماً أو عضواً في أسرة، ولكنها في نهاية المطاف تفصلها عن الطبيعة.
- المبالغة في الدفاع عن المطالب الاقتصادية والسياسية أدت في نهاية المطاف إلى بروز دور المرأة العاملة على حساب دور الأم المربية، وتحول الاهتمام إلى إنتاجيتها وكفاءتها في سوق العمل على حساب الاهتمام بالقيم الأخلاقية والاجتماعية ودورها كمؤسسة تربوية في البيت.
ومع تزايد متطلبات الحياة الرأسمالية وصعوباتها صار لزاماً على المرأة أن تشارك الرجل في توفير الدخل حتى تغطي المصاريف التي تفرضها المكنة الرأسمالية والامبريالية النفسية على الإنسان الحديث، فتضطر المرأة للتخلي عن دورها الحضاري-وهو تخلٍ مرغوبٌ من جانبها- لتأخذ دورها كأداة إنتاج تحت سيطرة المؤسسة الاقتصادية، وبتوجيهٍ وترشيدٍ من المؤسسة الإعلامية، ولا تحسب جهودها المبذولة في المنزل ضمن رقعة حياتها الخاصة، وتعتبر أنها لا تعمل إذا غابت عن رقعة الحياة العامة.
- حركة التمركز حول الأنثى (الفيمينزم) أو النسوية
أتت هذه الحركة كنتيجة حتمية لتراجع البعد الإنساني الاجتماعي الذي يفترض مركزية إنسانية وطبيعية إنسانية متفردة تتمتع بقدرٍ عالي من الثبات، وتحول الإنسان إلى كائنٍ طبيعي/مادي لا يشغل أي مركزية في الكون، وكنتيجة لتحول الإنسان المنفصل عن الطبيعة إلى إنسان مادي متحد معها يستمد معياريته منها. وتتسم هذه الحركة بالسمات التالية:
- حركة التمركز حول الأنثى تنكر الإنسانية المشتركة بين الرجل والمرأة، وتلغي الأساس الإنساني المشترك، ولا تتبنى أي حوار يمكن أن يكون بين الرجل والمرأة.
- تضع هذه الحركة الأنثى طرفًا في صراع أزلي مع الرجل، وتلغي كل فرص الحياة المشتركة، أو أي نوع من الروابط الإنسانية بينهما. فالرجل ما هو إلا عدو أزلي يسعى إلى الهيمنة عليها.
- مع غياب فرص اللقاء بين الرجل والمرأة فلا وجود لمفهوم الأسرة في حركة التمركز حول الأنثى.
- المرأة مكتفية بذاتها، مستقلة لا تحتاج للرجل، وفي الأمور الجنسية يكون التطبيق هو السحاق.
- لا نتحدث هنا عن مطالب أو حقوق يمكن تأمينها للمرأة، بل نتحدث عن رغبة في الهيمنة وإلغاء الآخر.
- الهدف الاخير لهذه الحركة هو رفع وعي النساء بأنفسهن وتمكينهن ورفع قدراتهن في صراعهن الأزلي مع الرجل، وهي رؤية صراعية دروينية شرسة تلغي الإنسانية المشتركة بين الرجل والمرأة، وتلغي الطبيعة الفيزيولوجية، فهي ترفض حتى أن تكون اللغة واحدة؛ وتعتبر لغة المرأة غير لغة الرجل، والتواصل بينهما في أحسن حالاته هو تواصل منقوص.
- لا تقبل أن ينضم الرجل العدو إليها.
- لا يمكن تطبيق برنامج إصلاحي لتحقيق العدالة وفق منظور هذه الحركة، فهم يطرحون برامج بزعمهم إصلاحية لكنها مستحيلة غير قابلة للتطبيق.
- تتغذى النسوية على ردة فعل حركة التمركز حول الرجل، وعلى مواقف اضطهاد المرأة هنا وهناك.
وإذا كانت حركة تحرير المرأة تدور حول قضية تحقيق العدالة للمرأة داخل المجتمع، فإن حركة التمركز حول الأنثى (النسوية) تقف على النقيض من ذلك؛ وتسعى إلى سحق كل ما يتعلق بالذكور عبر التاريخ.
تطور الحركة النسوية عبر مرحلتين
يعتبر المسيري أن الحركة النسوية (الفيمينزم) مرت بمرحلتين متمايزتين أدتا إلى تمايز نموذجين مختلفين عن بعضهما البعض مترافقين مع تطور مفاهيم العلمانية وعالم ما بعد الحداثة الذي يتميز بأنه عصر سيادة الأشياء وإنكار المركز، وسقوط الثوابت والكليات في قبضة الصيرورة.
المرحلة الأولى
- ينقسم فيها العالم إلى ذكور متمركزين حول ذكوريتهم، ويحاولون الهيمنة على الأنثى، وإلى إناث متمركزات حول أنوثتهن يحاولن الهيمنة على الرجل.
- في هذه المرحلة تتمركز الأنثى حول ذاتها وتهدف إلى تحقيق الاكتفاء بذاتها في إطار الصراع مع الرجل الذي يتمركز هو أيضا حول ذاته، فهي حالة قطبية تتجسد فيها ثنائية الآنا والآخر بحالتها الصلبة لاغيةً الإنسانية المشتركة التي تجمع بينهما ولاغيةً دور المرأة كأم، ودور الأسرة كمؤسسة.
- تعتبر المرأة في مرحلة التمركز حول الأنثى أنها مرجعية ذاتها وتعلن استقلالها عن الرجل فتلجأ إلى السحاق كتعبير نهائي عن الواحدية الصلبة، رافضةً بذلك إنسانيتها المشتركة التي لا يمكن أن تتحقق إلا ضمن إطار اجتماعي وسياق تاريخي. وقالت إحدى دعاة النسوية: «إذا كانت الفيمينيزم هي النظرية فإن السحاق هو التطبيق»
- تسعى الأنثى في هذه المرحلة للوصول إلى الواحدية الأنثوية الصلبة والتمركز اللاإنساني حول الأنثى.
المرحلة الثانية الواحدية السائلة ذوبان الأنثى
- في هذه المرحلة تتلاشى الفوارق بين الذكر والأنثى، ويختفي الصراع حين يذوبون جميعًا في كيان سديمي واحد لا معالم واضحة له. وبتلاشى الحدود الصلبة بين الذكر والأنثى يتلاشى التمركز الشرس لتتساوى الأنثى بالذكر بحيث لا تختلف عنه في شيء، ويصبح كلاهما مجرد إنسان طبيعي مادي تجمعهما مع بعضهما البعض المادية المشتركة، وليس الإنسانية المشتركة، ويختفي هنا الجنس فلا ذكورة ولا أنوثة، فالقانون الطبيعي/المادي لا يلتفت إلى هذه الخصوصية أو الثنائية، وهذا ما سمّاه المسيري بالواحدية السائلة.
- ويؤدي هذا النمط إلى ظهور مفهوم الجنس الوسط Unisex وبطبيعة الحال لم تعد الأنثى هنا أمًا أو أختًا أو زوجة لها دورها الاجتماعي الإنساني وإنما حالت شيئًا جديدًا.
- وبسقوط الأم والزوجة والمرأة الاجتماعية تسقط مؤسسة الأسرة التي تمثل الحاضنة الاجتماعية التي يترابط داخلها الأفراد بروابط إنسانية تراحمية؛ فيصبح الفرد معلقًا في الهواء وحيدًا لا ينتمي إلى أي جماعة، كل فرد مثل ذرة تصطدم بذرات أخرى وتتصارع معها، وكل فرد يواجه لوحده المؤسسات المتغولة التي ترشده، ثم يجري تسويتهم بالحيوانات والأشياء فلا تبقى هناك فوارق بين الرجل والمرأة أو بين الإنسان والحيوان أو بينه وبين الاشياء.
تهمش حركة التمركز حول الأنثى (النسوية) الدين بأحكامه الواضحة حتى في الأوساط المحافظة، وتهمل الخطاب العقلاني المستند إلى القرآن والسنة، والذي يبين طبيعة الذكر والأنثى التي خلقها الله تعالى وجعل بينهما التمايز والخصوصية بما يكفل التعايش الإنساني الحضاري، ويجعل لكل منهما دوره الإنساني
النسوية في النظام العالمي الجديد
يحتار دعاة النسوية أمام مواطن الاختلاف بين الرجل والمرأة، فهم بين اعتبارها هوةً سحيقة لا يمكن ردمها، فيسعون إلى ترسيخ الهوة برفض فكرة تقسيم الأدوار ويؤكدون استحالة اللقاء بين الرجل والمرأة غير مكترثين بالعدل، وبين إنكار وجود هذا الاختلاف والسعي إلى تسوية المرأة بالرجل فيطالبون أن يصبح الرجال آباء وأمهات، والإناث أمهات وآباء وسيسعون للتجربة في مضمار الهندسة الوراثية لإنتاج الاستنساخ والمسوخ، ويمكن بتعديل القوانين تجاوز الكثير من المعضلات، كما يسمح العلم الحديث في النظام العالمي الجديد بردم الهوة المعتبرة بين الرجل والمرأة وإلغاء الفوارق حتى الوراثية منها فيظهر الرجل بمظهر المرأة أو العكس، ويشعر بمشاعر المرأة وتشعر هي بمشاعر الرجولة.
سبل انتشار حركة التمركز حول الأنثى (النسوية)
- تستغل حركة التمركز حول الأنثى (النسوية) المعادية للرجل مفاهيم حركة تحرير المرأة، وتحمل مظلة الدفاع عن حقوق المرأة المستضعفة في بلادنا لطرح أفكارها المتطرفة في معاداة الرجل؛ فتقوم بدمج مفاهيم حركة تحرير المرأة بمفاهيم حركة التمركز حول الأنثى، مستغلةً قلة الوعي بالفروق بين الحركتين للانتشار في الأوساط المحلية. فالراية هي راية حقوق المرأة، والمضمون هو التمركز حول الأنثى، وشتان بين الأمرين كما بينه المسيري.
- تستفيد حركة التمركز حول الأنثى (النسوية) وتتغذى على تجاوب وردود فعل الذكور مع حركة التمركز حول الأنثى؛ فحتى لو غابت عمليًا حركات التمركز حول الذكر فإنها تصنف الردود الصلبة من الوسط الذكوري تجاه انتشار هذه الحركة على أنها مواجهة ذكورية تستدعي مزيدًا من التمركز حول الأنثى. وتقوم بخلط الأوراق معتبرةً أن إنكار الرجل نظرية التمركز حول الأنثى (النسوية) ما هو إلا رفضٌ لحقوق المرأة وإجحاف لدورها، وتصبح المعادلة: الرجل المعادي للنسوية هو رجل معادٍ لحقوق المرأة، وبالمحصلة فهو عدو.
- تستغل حركة التمركز حول الأنثى (النسوية) مواقف اضطهاد المرأة في مجتمعاتنا، والعنف تجاهها، وتعتبر هذه المواقف على أنها ذكورية معادية للأنثى، وعدم الإشارة إلى ضعف الوعي لدى الرجل الذي يعنف المرأة أو عدم الرجوع إلى أسباب هذا العنف وتفنيده. وتقوم بتضخيم مواقف من هذا الشأن مثل جرائم الشرف على أنها تهدد مصير المرأة، وتحتم عليها التمركز حول نفسها واتخاذ الرجل عدوًا.
- تهمش حركة التمركز حول الأنثى (النسوية) الدين بأحكامه الواضحة حتى في الأوساط المحافظة، وتهمل الخطاب العقلاني المستند إلى القرآن والسنة، والذي يبين طبيعة الذكر والأنثى التي خلقها الله تعالى وجعل بينهما التمايز والخصوصية بما يكفل التعايش الإنساني الحضاري، ويجعل لكل منهما دوره الإنساني، كما يفصل الحقوق والواجبات لكل منهما.
- أما النسوية الإسلامية فهي حالة متأرجحة ما بين الخطاب الديني والنظريات الغربية، تسعى للاستفادة من الثغرات في الموروث الديني والبناء على بعض الآراء الفقهية لتبرز نفسها كبديل لما تسميه الفقه الأبوي أو الذكري.
- تستغل حركة التمركز حول الأنثى (النسوية) الحالة المجتمعية وتنتشر عبر المنافذ التي فتحتها ظروف البلاد من تزعزع الاستقرار وظروف الحرب والهجرة والنزوح وغياب المرجعيات والسلطات الجامعة، وتطرح برامج في ظاهرها تمكين ورفع قدرات ومهارات، وفي باطنها تشويه للفطرة.
وإن أهم النقاط التي يلفت إليها لكتاب انتباهنا هي أن حركة التمركز حول الأنثى متماشية مع نظريات ما بعد الحداثة والتي تخرج الإنسان من إنسانيته وتفقده ثوابته ومرجعياته، وتحوله كائنًا سديميًا عائمًا في وسط هلامي غير محدد الأبعاد، وإن هذه الحركة في جوهرها مختلفة كل الاختلاف عن حركة تحرير المرأة التي كانت تسعى لضمان حقوق المرأة الاجتماعية وحفظ دورها الإنساني الحضاري وتحصين مؤسسة الاسرة، والحال هذه لا يخفى على المضطلعين بالدين الإسلامي المكانة المصونة للمرأة كأم وكأخت وكزوجة لها حقوقها التي لا يستطيع أحد أن ينتقص منها شيئًا، تسهم من خلال مؤسسة الأسرة في بناء الإنسان وتعريفه بدوره المنوط به، وهي التي تعرفه ذكرًا كان أو أنثى بقيم الحرية والعدالة والمساواة، وإن أي شذوذ عن ذلك إنما مرده إلى خلل في دور هذه المؤسسة التربوية، وخلل في فهم الدين ينبغي تصحيحه.
(1) المسيري، عبد الوهاب، قضية المرأة بين التحرر والتمركز حول الأنثى، نهضة مصر، القاهرة 2010