المقالات

طريق السعادة…لابد من دليل فالبديهة لا تكفي

سلسة حياةً طيبة … اللقاء الأول

إنَّ معرفة الله سبحانه وتعالى وفهم الحياة وسياقاتها وفق مراده عز وجل من أهم علوم الدين الحنيف، بل قد تكون هذه المعارف أهمها على الإطلاق، فلهذا أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء، وأنزل الكتب وشرع الشرائع، بل لم يخلق الله تعالى الخلق إلا ليعرفوه ويعبدوه كما أمرهم ولا شك أن أشرف العبادات وأعظمها قدرا وأجرا هي توحيده تعالى، وبالتوحيد يمتاز المسلمون عن غيرهم من أصحاب السعير، وبالنظرة السنِّية يمتاز أهل السنة عن غيرهم من فرق الضلالة والابتداع، ولذلك كان لزاما على كل مؤمن أن يأخذ بنصيب من هذا العلم الجليل، حتى يكون مؤمنا صحيح الإيمان مقبول العمل والسعي عند الواحد الديان، وبهذا أمرنا ربنا سبحانه  فقال  ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: ١۹]، وهذا كان إرشاد النبي ﷺ لسيدنا معاذ عندما أرسله إلى اليمن فقال: (فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم) .

أما من كان جاهلا بأصول عقيدة الإسلام في الله عز وجل،أو معتقدا خلاف ما جاء به النبي ﷺ فلا أفلح ولا نجى،  ولن يقبل الله تعالى منه صرفا ولا عدلا , وكذلك من مارس أو اعتقد ما يناقض معرفة التوحيد والعمل به، فإنَّه في الآخرة من الخاسرين قال تعالى ((إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضلالا بَعِيدًا))

فبمقدار الفهم الصحيح لمراد الله منا  تكون قوة الإيمان ومنزلته من قلب العبد، وتكون منزلة العبد عند ربه تبارك وتعالى، وتترتب كذلك آثارها الدنيوية المرجوة المأمولة من السعادة النفسية والسكينة الروحانية والحياة الطيبة.

فلا بدَّ للمؤمن أن يهتم ببناء إيمانه بناء صحيحا , موافقا لما جاء به النبي ﷺ، فمعرفة الله سبحانه وتعالى لا تتولد بالفطرة، ولا تكتسب بديهةً، ولا تغرس في القلب كيفما اتفق، وإنما هي أحكام محكمة، وتقريرات واضحة محددة، أدلتها مبثوثة في كلام الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، جمعها أئمة أهل السنة رحمهم الله في مؤلفات  ومصنفات، فلكي يكون العبد مؤمناً وذا عقيدة مرضية لابدَّ من أن يقرأ ويدرس ويطلب هذه العقيدة من العلماء الثقات و المصنفات المعتمدة عند أهل السنة والجماعة، أما ترك العقيدة لتبنيها المواقفُ القدرية أو الخطب والمواعظ المتفرقة أو النصائح والتوجيهات من كل من هبَّ ودبَّ، فإن ذلك لا ينفع القلب بالقدر المطلوب، وقد تجعل العبد مهددا بضياع الإيمان أو تشرب عقائد باطلة أو القيام بأعمال لا ترضي الله تعالى أو تناقض العقيدة التي فرضها علينا وارتضاها لنا.

فبمقدار الفهم الصحيح لمراد الله منا  تكون قوة الإيمان ومنزلته من قلب العبد، وتكون منزلة العبد عند ربه تبارك وتعالى، وتترتب كذلك آثارها الدنيوية المرجوة المأمولة من السعادة النفسية والسكينة الروحانية والحياة الطيبة.

فإنَّ العبد يتعرض في هذه الدنيا لثلاثة أنواع من الامتحانات، الشبهات والشهوات والنائبات وهي بمثابة عواصف تتعاقب على العبد في حياته، وبمقدار متانة بناء إيمانه ورسوخ قواعد معرفته بالله وتعلقه به، يكون صموده في وجهها ونجاته من محنها، وبما أن الحياة لا يمكن أن تخلوا من هذه العقبات الثلاث، فيجب على المؤمن أن يحرص على بناء إيمان راسخ يصمد في وجه الشبهات والشهوات والنائبات.

ومعروف أن البناء لا يكون باسقا قويا صامدا إلا إذا كان قائما على قواعد راسخة وأركان قوية، أما الأسس الضعيفة فلا تقوى على حمل بناء عالٍ قادر على مواجهة العواصف ومقاومتها، ولذلك اصطلح على إطلاق لفظ أركان الإيمان على الأصول الستة التي ذكرها النبي ﷺ في حديث جبريل المشهور ((قال (جبريل):  فأخبرني عن الإيمان، قال (النبي ﷺ):  أن تُؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره،  قال  (جبريل):  صدقتَ )) فهذه الأصول الستة هي بمثابة أركان وقواعد يُعلي عليها العبد بناء إيمانه بالعبادات (الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وغيرها من اعمال البرِّ)، فإذا كانت مفهومة واضحة مستقرة في قلبه يقينا لا يقبل الشك، ارتفع بنيانه وصمد في وجه الشبهات والشهوات والنائبات، أما إن كانت هذه الأصول مجهولة غامضة، أو مشوشة وغير واضحة _ فضلا عن كونها مغلوطة مشوهة _ فإن ما يبنى عليها من إيمان _وإن كان كثيرا_ يبقى ضعيفا مهلهلا يتهاوى عند أول امتحان، ويسقط عند أيِّ زلزلة وابتلاء قد يتعرض له.

ومن هنا جاءت أهمية أركان الإيمان ومحوريتها في بناء شخصية المؤمن، إذ هي المعيار (بالإضافة إلى العمل الصالح) في قرب العبد من ربه، وصحة معتقده وصلاح عمله وقبول سعيه، وبدونها فإنَّ العبد على خطر دائم، قد تهلكه أصغر شبهة تعرض له،أو توبقه أول شهوة تلم به، أو تهدم بنيان إيمانه أصغر نائبة تقدرُ عليه.

فأول ما على العبد أن يسعى إليه، هو بناء قاعدة صلبة من التصورات السنية الصحيحة الواضحة، بتعلم أركان الإيمان وفهمها كما فهمها الصحابةُ رضوان الله عليهم من النبي ﷺ، ليقوم بعدها بمراكمة أعماله الصالحة وإعلاء بنائها على هذه القاعدة الصلبة .

فلمعرفة الله تعالى إذن بالغ الأثر _إن غرست غرسا سويا _ في حياة العبد، فبها يفهم الحياة ويعلم أسرارها وأسبابها ويتعامل مع مختلف ظروفها فلا يطغى إذا استغنى ولا ييأس إذا افتقر، ولا يبطر إذا أعطي ولا يكفر إذا ابتلي

كما أن من أهم أغراض العقيدة الربانية السوية، إصلاح معاش العباد، فليس المترتب على صلاح العقيدة فلاح الآخرة فحسب، بل وعد سبحانه أهل التوحيد بالسعادة الدنيوية حيث قال عز من قائل﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ۹٧] فقرَنَ سبحانه بين نعيم الآخرة وسعادة الدنيا في سياق ذكر ما يترتب على الإيمان المرضي والعمل الصالح، وعلى عكس ذلك توعد الحق عز اسمه المعرضين عنه وعن دينه الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾[طه: ١٢٤] فقرن أيضا سبحانه بين عذاب الآخرة وضيق الدنيا كنتيجة عادلة وعقاب سوي لمن كذب رسله وتجاهل أوامره وأحكامه وعاش حياته وفق هواه بعيدا عن معرفة ربه ومراده منه.

فلمعرفة الله تعالى إذن بالغ الأثر _إن غرست غرسا سويا _ في حياة العبد، فبها يفهم الحياة ويعلم أسرارها وأسبابها ويتعامل مع مختلف ظروفها فلا يطغى إذا استغنى ولا ييأس إذا افتقر، ولا يبطر إذا أعطي ولا يكفر إذا ابتلي، ولا يتحقق ذلك إلا عندما يتعرف على صفات ربه ويفهم قضاءه وقدره، و يتعرف على الآخرة واحوالها ونسبة الدنيا إليها ومنها.

وهذا كله ما سنتناوله في سلسة مقالاتنا إن شاء الله. …يتبع.

سليمان وليد اللوش
أ. سليمان وليد اللوش

ناشط وداعية إسلامي، حاصل على بكالوريوس بالدراسات الإسلامية وعدد من الإجازات بالقرآن ومتون علوم الشريعة، مهتم بعلوم الحضارة والتاريخ.

أ. سليمان وليد اللوش

ناشط وداعية إسلامي، حاصل على بكالوريوس بالدراسات الإسلامية وعدد من الإجازات بالقرآن ومتون علوم الشريعة،… المزيد »

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى