أفكار الكبارالمقالات

الطريق من هنا

لم يكن الغزالي أول من اهتمّ لأمر التجديد الديني والإصلاح من أجل نهضة الأمة وإعادة تموضعها على خارطة الحضارات الإنسانية، فقد سبقه العديد من رواد فكر التجديد والإصلاح ممن شغلهم واقع الأمة المرير حيث تفتقد روافع الحضارة وترزح تحت الاستعمار الداخلي والخارجي، من مثل الكواكبي، ومحمد بن عبد الوهاب، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وحسن البنا. وأخذ الغزالي موضعه في هذه السلسلة كأحد رواد تجديد الفكر الإسلامي والمناداة بالإصلاح السياسي، وترك لنا آثارًا خالدة لا تزال تؤتي ثمارها لدى فئات واسعة من طلاب النهضة والإصلاح يهتدون بأفكاره ونهجه، ونجده في كتابه موضوع المقال (الطريق من هنا) يدلل على نهجه بين رواد تجديد الفكر وهو يحدد الأولويات ويتوقع المآلات.

ولا يكتفي الغزالي بتشخيص الحالة ووصف عللها وبيان أسباب هذه العلل، بل يسلك بنا الطريق بدءًا من الواقع المشهود الموصوف والمعروض أمامنا ليرينا المسار اللائق بأمة الرسالة العالمية، وهو ليس بمسار مبتدع، أضربٌ من التأملات والأخيلة، بل إنه ذاته المسار الذي سلكه صانعو الأمة في مهد حضارتها.

وإذا كانت الأمة مهزومة وبعيدة عن النهج الحضاري والنسق الخيري الذي يجب أن تلتزم به فإن لذلك جملةً من الأسباب بيّنها الغزالي كخط الانطلاق على مسار التغيير.

مقتضيات الهزيمة

لقد هزمت الأمة منذ أزلٍ بعيد حين نحت إلى غير السبيل القرآني الذي سلكه الخلفاء الراشدون، فأُهمل المنهاج الدستور والنصُّ الشارح الهادي، وأهملت تجارب القدوات والنماذج البشرية الفريدة، وتقوقعت الآمال خلف طموحات السلاطين، وركنت النفوس إلى العزلة، وارتاحت العقول إلى الجمود والتعطيل. فنتجت عن ذلك إصابات بليغة يذكرها الغزالي على النحو التالي:

  1. الإصابة بشلل الملَكات العلمية نتج عنه فقدان القوة العسكرية والاقتصادية.

فحين اندثر المنهج الذي سلكه ابن الهيثم والخوارزمي وجابر بن حيان وغيرهم من الرواد، طفا منهج علماء الكلام والتصوف. والتزم العقل الإسلامي العزلةَ الفكرية عن الكون، وفرَّ من تكاليف اليقظة الذهنية، وانحرف عن الخط القرآني المشغول بالملاحظة والتجارب، والذي يجوب آفاق النفس والأرض والسماء. وهكذا جفّت ينابيع العلم التي كانت تغذي شرايين الأمة.

2. الإصابة بشلل عضوي في أجهزتنا الخلُقية وملَكاتنا النفسية.

فالأخلاق مجموعاتٌ متنوعة من الفضائل والتقاليد تحيا بها الأمم، وفي ذلك يقول أحمد شوقي:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت       فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وحريٌّ بالمسلمين أن يتخلقوا بأخلاق الإسلام التي بها أمروا والتي بها تنهض أمتهم، لكنك تجد اليوم مجموعةً غريبةً من العادات والتقاليد التي اكتسحت المجتمع، وهي خلائق مقبوحة انتشرت بين الناس وتحولت إلى جزء من الحياة العامة حتى صار الناس يدافعون عنها، مثل:

  • قلة الاكتراث بإتقان العمل، وقيمة الوقت، فترى الفوضى في نظام العمل والحياة والنظافة العامة.
  • الالتفات إلى المآرب الذاتية وتفضيلها على المصلحة العامة.
  • إضاعة الأمانات والمسؤوليات الثقيلة.
  • القدرة على قلب الحقائق وجعل الجهل علمًا والعلم جهلًا، المعروف منكرًا والمنكر معروفًا.
  • الاستهانة بالحقوق والواجبات.
  • الرياء والنفاق والكذب.

«إنّ وزن الأخلاق عندنا خفيف وارتباطنا بها طفيف. وقد كان المسلمون الأوائل نماذج أخلاقية تجسد فيها الشرف والصدق والطهر والتجرد؛ لذلك تصدّروا القافلة البشرية عن جدارة. ولكي يعود سلطان الأخلاق إلى عرشه في مجتمعاتنا يجب أن يعود اليقين إلى الأفئدة، وتألف الجماهير الصلاة، وتنتصر الفضائل على الشهوات، ولا يحترم الكذوب»[1]

ويذكر الغزالي علاوةً على الإصابات آنفة الذكر التي مني بها جسدُ الأمة عواملَ أخرى ساهمت ولا تزال تساهم في إضعاف الأمة وتمنعها من اليقظة والنهوض، وهي على سبيل الذكر لا الحصر:

  • أعداء الأمة الأقوياء الذين أخذوا بأسباب القوة المادية وتفوقوا في ميادين شتى لا يسمحون بنشر الإسلام، بل يحاربونه في كل بقعة يمكن أن يصل إليها، بكل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
  • المرويات في تراثنا الإسلامي وضرورة تنقيحها من الشوائب التي لصقت بها. لأن هذه المرويات غير المثبتة والتي يعتريها الضعف من جوانبها تشوش العقل المسلم، وتشكل مرجعًا لدى فئات واسعة من الدعاة يستندون إليها في تبرير ما يشاؤون بعيدًا عن شروط النهضة.
  • الفنون والألعاب الرياضية التي صارت تُستغل لإلهاء الأمة عن أولوياتها، وإشغالها في تفاهات مفسدة ومشاحنات وصراعات مقلقة تزيد الشروخ بين الشعوب المتآخية.

وأضف إلى ذلك دعم منصات نشر التفاهة في أوساط الشباب، وهذه المنصات على مستويات متنوعة، منها ماهي لأهداف عقدية يتصدرها من يسمون أنفسهم مفكرين أو علماء دين، يعبثون بالفطرة والعقائد السليمة لدى الشباب. ومنها ما هو لتسطيح العقول وتلميع التفاهة والانحراف.

وأضف إلى ذلك دعم منصات نشر التفاهة في أوساط الشباب، وهذه المنصات على مستويات متنوعة، منها ماهي لأهداف عقدية يتصدرها من يسمون أنفسهم مفكرين أو علماء دين، يعبثون بالفطرة والعقائد السليمة لدى الشباب. ومنها ما هو لتسطيح العقول وتلميع التفاهة والانحراف.

إذا كانت مقتضيات الهزيمة قد فاحت روائحها في مجمل البلدان الإسلامية فكيف السبيل للنهوض؟ والحكم الإسلامي لا ينطلق من فراغ وإنما تعوزه روافع متينة تُشاد بسواعد مخلصة. فهل نعوّل على الزمن كما عوّل عليه الغزالي حين قال: (الزمن جزءٌ من الحل) فترسيخ الروافع الحضارية يحتاج زمنًا مديدًا وخوضًا لغمار مقفرة وقاسية، ومرورًا بمصيدة سيناء التي مرّ بها اليهود من قبل.

مصيدةُ سيناء… المتاهة!

إنها محنةُ جزءٍ من بني إسرائيل بعد أن نجّاهم الله تعالى من فرعون وجنوده، بينما آثر الجزء الأكبر عدم الخروج مع موسى لأنهم ألفوا حياة الذل والعبودية والهوان والخوف، والباقون حين نظروا في الخارجين لاح لهم طيش الشباب واندفاعه وتهوره، كما ظنوا رجاحة عقولهم كباقين خانعين، وتأملوا نجاتهم من مصير مشؤوم لا بدّ لاحقٌ بالخارجين. لأن الرضوخ هو البداهة لديهم. أما الجزء الذي خرج فلم يكن خالص الإيمان، مكتمل التربية، قوي الشكيمة، إذ سرعان ما بدأت الشكوك والصراعات النفسية تجتاحهم.

﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ۞ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ۞ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[2]

فكان أن وقعوا في التيه بعد رفضهم الجهاد والتحرك من أجل التغيير، يسيرون هائمين على وجوههم لا يهتدون للخروج منه. لكنهم صادفوا في هذا التيه خوارق كثيرة، من تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم، وانفجار عيون الماء من صخرة صماء، وغير ذلك من المعجزات التي أيّد الله تعالى بها موسى عليه السلام. وأنزلت التوراة، وشرعت لهم الأحكام. ثم توفى الله هارون وموسى عليهما السلام. ومات أكثر بني إسرائيل في هذا التيه. فلما انقضت المدة خرج بهم نبي الله يوشع بن نون عليه السلام، أو بمن بقي منهم وبسائر بني إسرائيل من الجيل الثاني، فقصد بهم بيت المقدس فحاصرها، وكان أن مكّنه الله تعالى من فتحها.

مصيدة سيناء كانت سجنًا قاسيًا حاصر هؤلاء لسنوات طويلة، إنها كانت من أقسى المحن التي واجهتهم بعد محنتهم وبلائهم مع فرعون في مصر. لكن هذه المحنة أفرزت نتائج مع الزمن:

  •  فقد هلك الذين شاخوا في الفساد.
  • وراجع الباقون أنفسهم في تفكيرهم بمآربهم الشخصية.
  • ثم نضجت الذرية التي آمنت بموسى وبلغت مرتبة الرجولة.

هذه المفرزات ساعدت نبي الله يوشع بن نون في بلوغه بيت المقدس وفتحه. لقد احتاجوا أربعين سنةً من التيه كي يحصل التغيير، احتاجوا زمنًا. الزمن الذي يعتبره الغزالي جزءًا من الحل.

لقد كانت مصيدة سيناء للتأديب والتدريب. فالأمم لا تترك السفوح إلى القمم بكلمةٍ عابرة من واعظ.

وكذلك الأمم التي تواضعت على تقاليد رديئة وأعراف فاسدة تحتاج مصيدة سيناء، تحتاج تجربة مريرة وقاسية، وحصارًا ضيقًا يجرد النفوس من أهوائها ويصقلها ويصفي الأرواح لمرامها. لقد كانت مصيدة سيناء للتأديب والتدريب. فالأمم لا تترك السفوح إلى القمم بكلمةٍ عابرة من واعظ.

فهل الهزيمة التي تتعرض لها الأمة من شرقها إلى غربها أيام الناس هذه، والتنكيل الذي يلحق بها من قتل وتشريد وتدمير وحصار هو تيهها في مصيدة سيناء؟ تعيشه الأجيال جيلًا بعد جيل؛ كي ترقّ القلوب في هذا التيه وتصقل النفوس وتعلو الهمم، ويعاد ترتيب الأولويات وتحديد المرتكزات، وتُصنع روافع النهضة بأيدي من ولد في هذا التيه؟ فيكونون هم الفاتحون الذين يمكنهم الله تعالى، ويهبهم النصر. طالما كان الزمن جزءًا من الحل. وفي ذلك بشرى.

لكن يبقى السؤال: إذا كان بنو إسرائيل قد تاهوا في مصيدة سيناء أربعين سنة، فكم سنةً سيكون تيهنا؟ هل ننتظر سنين طويلة حتى يحدث التغيير؟ أم يمكننا إحداثه بوسائل أخرى… كالثورات مثلًا؟

هل الثورات هي الطريق؟

عندما أيّد جمال الدين الأفغاني فكرة الثورة والتحرك والتغيير السريع بدءًا من قمة الهرم معولًا على الجماهير. كان محمد عبده رائد مدرسة الإصلاح الديني والعلمي والتربوي يحبّذ التغيير بشكل آخر يرتكز على بُعد الزمن وبشكل متدرج، مرجحًا إصلاح الفرد والمجتمع بمؤسساته على فكرة الثورة والأمل في التغيير السريع.

وما بين التغيير السريع والبطيء اعتبر المفكر الجزائري مالك بن نبي أنّ الأفضل يقتضي دمج أفكار الأفغاني بأفكار محمد عبده.

 أما الغزالي الذي ناهض الاستبداد، ووقف في وجهه، وبيّن في كتب عديدة مثل (الإسلام والاستبداد السياسي، أزمة الشوى والفساد السياسي في مجتمعاتنا العربية) موقفه الحازم من الاستبداد، وسبل مواجهته، يبين في كتابه (الطريق من هنا) معالم الطريق للتغيير، فيقول:

(الطريق ليس بالانقلابات والثورات التي راودت أناسًا مخلصين ليست لهم تجربة… يجب تنظيف الشعوب من أقذائها وإحداث تغيير جذري في أخلاقها وعاداتها، الإسلام الشعبي هو الطريق). وهذا أمرٌ لن تقوم به السلطة الحاكمة، بل سوف تسعى لإعاقته بكل جهودها. لكن الأمر منوط بالأمة بمؤسساتها المدنية ومدارسها الفكرية ومجالسها التعليمية والتدريبية وفعالياتها الثقافية. على الأمة أن تعمل في تثبيت العقائد والأخلاق والعادات الحسنة وإعلاء سلطان الضمير، وذلك سوف يقود إلى التمكين. العمل الصعب هو تغيير الشعوب، أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائيًا عندما تريد الشعوب ذلك.. الشعوب التي تغيرت.

ويتفق نهج الغزالي في هذه القضية مع نهج محمد عبده، الذي دعا إلى الإصلاح الثقافي المتدرج.

وفي قضية المطالبة بالحكم لإقامة شرع الله، تحت مسوغ الحكومات لا تمثل الشعوب ولا تحكم بما أنزل الله فلا مشروعية لبقائها، يدعو الغزالي إلى سياسةٍ جديدة تخدم الإسلام في هذه القضية وهي:

  • الاستفادة من التجارب الطويلة.
  • النظر الدقيق في الأسلوب الذي سار عليه رسل الله. ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍۢ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾[3]
  • على الدعاة أن يتجردوا من أهواء الحكم، وأن يعلنوا عزوفهم التام عن الحكم ورفضهم لمناصبه، وليست مهمة الدعاة تلمس الأخطاء وكشف أصحابها ولا التحول إلى نقاد سياسيين.
  • الكدح في الميادين الداخلية لإعادة بناء الأمة. فالتعاليم التي صنعت الأمة منذ بزوغ فجرها هي التي تصونها الآن.

ولكن هل الحكومات ستسمح بتحرك الدعاة في طريق الإصلاح؟ بالتأكيد لا. فمسار الدعوة محفوفٌ بالمكاره وإنّ الأنبياء قد منعوا وحوربوا ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِىْ ٱلْمُرْسَلِينَ﴾[4]

إنّ الطريق طويلة والمعركةُ ليست بسريعة.

واجبات الدولة الأمينة على الرسالة الإسلامية

يعرض الغزالي في كتابه مجموعةً من الواجبات التي يجب أن تقوم بها الدولة الأمينة على الرسالة الإسلامية، لكن هذه الواجبات تبقى على عاتق الأمة تقوم بها من خلال مؤسساتها المدنية في حال كانت الدولة غير أمينة على الرسالة الإسلامية، أي لا يمكن إهمالها تحت أي مسوغ، تتمثل هذه الواجبات في:

(أ) في علوم الدين:

  • تجديد علوم الدين، وتبصير طلابه بالحقائق الرئيسية، وبيان ما هو قطعي وما هو ظني، وما هو أصلي وما هو فرعي.
  •  تناول المذاهب المختلفة على أنها وجهات نظر ليست معصومة من الخطأ.
  •  محو الخصومة القائمة بين الفقهاء والصوفية على أساس تجريد التصوف من البدع والخرفات التي التصقت به، وردّه إلى كتاب الله وسنة رسوله ردًا يدرب الناس على مقام الإحسان. ونحن نشاهد كيف يتم إلهاء الأمة بمجادلات دينية لا طائل تحتها، لا تفيد إلا في زيادة التشتت والفرقة، ولا تقوي إلا شوكة المستبدين وأعداء الأمة.
  • التحلّق حول كتاب الله تعالى المعجز وما فيه من آيات علمية تحضّ العقل المسلم على التدبر والتفكر والابتكار.
  • التعريف برسالة الأمة وكيف تؤدى وكيف نتخلص من أخطائنا وكيف نستفيد من تجارب النصر والهزيمة. بالإضافة لنشر فهم صافٍ وصادق لما يتطلبه الإسلام في الميادين التي انهزم فيها المسلمون روحيًا وحضاريًا.
  • تنحية علماء الدين الذين يشغبون على الشورى.

(ب) في النهضة العلمية

النهضة في كل القطاعات الحياتية، وخوض غمار العلوم هو السبيل الذي يمكّن المسلمين من حماية دينهم ونشره والتعرف على الله تعالى من خلال آياته في الكون وفي أنفسهم.

فالإسلام يعطي الأمم الكسيحة أجنحة تطير بها، والعقل الإسلامي يبحث عن الحكمة ويحضّ على الانطلاق ويمضي بأتباعه إلى الصدارة. فلا يجوز الذهول عن علوم الحياة التي هي من دعائم النهضة وشروطها.

(ج) في النهضة التربوية

  • التدريب المستمر على الشؤون المدنية، والمهارات العملية التي تفتقر إليها جماهير المسلمين، والتخلف في هذا المضمار إنما هو هزيمة أمام الأعداء. والتبلد والتواكل والاسترخاء أوضاع حاربها الإسلام.
  • تنظيم فرق شبابية للكشافة، لها نشاطات رياضية ومهارات حياتية متعددة.
  • ضبط العلاقة بين الجنسين وحفظ حقوق أصحاب الفطر السليمة.

ويتكئ الغزالي على هذه الواجبات والشروط التي يعتبرها مرتكزات أساسية لا بدّ منها في إعادة ضبط البوصلة كأداة مساعدة للخروج من التيه، حيث من شأنها إصلاح حال الفرد والمجتمع بمؤسساته وتطهيرها مما لحق بها من مقتضيات الهزيمة التي استراحت إليها الأمة ردحًا طويلًا حتى نسيت الرقي وشروطه، ونسيت الرسالة ومضامينها.

ويتكئ الغزالي على هذه الواجبات والشروط التي يعتبرها مرتكزات أساسية لا بدّ منها في إعادة ضبط البوصلة كأداة مساعدة للخروج من التيه، حيث من شأنها إصلاح حال الفرد والمجتمع بمؤسساته وتطهيرها مما لحق بها من مقتضيات الهزيمة التي استراحت إليها الأمة ردحًا طويلًا حتى نسيت الرقي وشروطه، ونسيت الرسالة ومضامينها. وهذه المقومات لا تصنع بين ليلة وضحاها، بل تحتاج جهودًا حثيثة وتعاونًا وثيقًا بين المؤسسات الدعوية، كما إنها تتطلب زمنًا قد يطول تمر من خلاله الأمة بتيه يصفي روحها وينقيها من أقذائها حتى تستقيم في وجه الرياح العاتية، ويصلب عودها للبلوغ إلى مرامها.

الطريق الذي يدل عليه الغزالي هو ذاته السبيل الذي سلكه الأنبياء والمرسلون في صراعهم السرمدي مع رموز الكفر والطغيان، سالكين النهج الرباني في صناعة مقومات النصر، مع وضوح النيّة والهدف، فما كان النصر منشودًا إلا لإعلاء راية التوحيد وإقامة حكم الله على أرضه التي استخلفنا عليها، فيتحرر الإنسان من طغيان نفسه والطواغيت ويستقيم لطاعة خالقه ويعمر الأرض بقيم الإصلاح.


[1]  كل ما بين مزدوجتين مقتبس حرفيًا من كتاب الطريق من هنا

[2]  المائدة (24،25،26)

[3] سبأ (47)

[4]  سبأ (34)

أ. عماد كوسا

كاتب روائي وقصصي وناشط في مجال العمل الشبابي والمجتمعي.

أ. عماد كوسا

كاتب روائي وقصصي وناشط في مجال العمل الشبابي والمجتمعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى