خصائص الحضارة الإسلامية(2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
تحدثنا فى المقدمة عن إطلالة سريعة عن الحضارة الإسلامية وما تميزت به، واليوم ننقل لكم بعض أقوال وآراء علماء الغرب والشرق الذين أنصفوا الحضارة الإسلامية بعد سبرهم الإسلام وغورهم في تفاصيله العظيمة و الذى انعكس هديه ونوره عليهم، فما كان منهم إلا أن يؤكدوا الحقيقة الناصعة الجلية من خلال أقوالهم التي سنتحدث عنها، مع العلم أن الاستشراق والمستشرقين جل مبتغاهم ومرادهم هو النيل من الإسلام شريعة وحضارة من خلال كتاباتهم ودراساتهم وكتبهم وأبحاثهم، وتفاصيل هذا الحديث يطول ويمكن الرجوع إلى مصادره.
وعودة إلى ما ابتدأنا الحديث عنه، فهذا الباحث الإسباني خوسيه لويس بارسلو، يقول: “أرسى الإسلام مدنية متقدمة تعد في الوقت الحاضر من أروع المدنيات في كل العصور، كذلك فإنه جمع حضارة متينة متقدمة، وذلك إذا ما طرحنا جانبًا الاضمحلال الواضح للقوى السياسية، فإن الشخصية الجماعية للإسلام قد صمدت أمام كافة أنواع التغيرات؛ ذلك لأن معيار الشخصية الجماعية هو المدنيةُ عامة والتقاليد التي لم تنطفِئْ أو تَخمد”.
أما ما عناه الباحث فى حديثه عن التقاليد التي لم تنطفئ أو تخمد؛ فهي إشارة منه إلى الشريعة الإسلامية بمصدرها القرآني الكريم الذي تكفل الله بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، والسنة النبوية- على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- كما أنه أثنى على الحضارة الإسلامية وأكد تميزها ما بين الحضارات الأخرى واللافت في حديثه حين يقول بعد غياب الإسلام السياسي: “الخلافة الإسلامية أبقت الشخصية الجماعية للإسلام، إنها الرابطة الإيمانية التي حافظت على مشاعر الأخوة الإسلامية، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [ الحجرات: 10]”.
يقول البروفيسور هـ. مونتغمري: “إن فكرة الأمة كما قدمها الإسلام فكرة رائعة لم تتحقق من قبل، وظلت إلى يومنا هذا مصدرًا لكل فيض إيماني يدفع المسلمين إلى الوحدة في أمة واحدة تزول فيها حواجز الأجناس واللغات والنسب والعصبية، وقد تفرد الإسلام في خلق هذه الوحدة بين أتباعه، فتشكلت أمة من مختلف الأجناس والأقوام؛ فمنهم العرب والفرس والهنود والصينيين والمغول والبربر والسود والبيض، رغم تباعد البلدان وتباين المصالح”.
إن رابطة الاخوة الإسلامية أبقت مشاعر الأخوة الإيمانية متقدة إلى يومنا هذا؛ فالمسلمون فى شتى بقاع العالم يتألمون لمصاب المسلمين في الهند وميانمار وفلسطين وتركستان الشرقية، ولكن مما يؤسفنا اليوم اكتواؤنا بنار العنصرية والقومية والوطنية؛ حيث أضحت وأمست كثير من الدول المسلمة تأجج روح العنصرية والقومية والوطنية فى أبناء بلدها، ولعلها حاجة فى نفس يعقوب بعيدًا عن شرع الله ومنهجه الداعي إلى وحدة الأمة ونبذ الفرقة: {وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [ المؤمنون: 52].
وأما العالم الصينى لى قوان، فبين أن “الحضارة الإسلامية من أقوى حضارات الأرض، وهي قادرة على اجتياز أي عقبات تواجهها؛ لأنها حضارة إنسانية الطابع، عالمية الأداء، رفيعة القدر علميًّا وفكريًّا وثقافيًّا وبعدما تعمّقتُ في الأدب العربي القديم والحديث ازْداد اقتناعي بأن الشرق يمتلك سحر الحضارة والأدب والثقافة، وأنه صاحبُ الكلمة المفكِّرة والعقلية المنظمة؛ إذن فالحضارة الإسلامية تحمل عوامل البقاء، لأنها عصية على الهدم، لتوافر أركان التجدد والحيوية في نبضها المتدفق، وهي من أقوى حضارات الأرض قاطبة؛ لأنها تستوعب كل ما هو مفيد من الآخر وتصهَره في نفسها ليصبح من أبنائها، بخلاف الحضارة الغربية المعاصرة، كما أن الحضارة العربية الإسلامية تتسم بأنها عالمية الأداء والرسالة، إنسانية الطابع، جوهرها نقي ومتسامح”.
ومما يلفت الانتباه وصف هذا العالم الحضارة الإسلامية بأنها حضارة إنسانية الطابع عالمية الأداء رفيعة القدر، تحمل عوامل البقاء عصية على الهدم، وهي من أقوى حضارات الأرض قاطبة، الله أكبر ولله الحمد، نعم إنه مدعاة للفخر والاعتزاز انتسابنا لهذا الإسلام العظيم.
الحديث هنا عن ربانية المصدر الذي تميزت به الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات، حيث استقت منهجها واستوحت شريعتها ونالت شرف عظمتها من لدن حكيم خبير عليم.
ويقول المستشرق الألمانى شاخت جوزيف، متحدثًا عن الشريعة الإسلامية: “إن من أهم ما أورثه الإسلام للعالم المتحضر قانونه الديني الذي يسمى بالشريعة، وهي تختلف اختلافًا واضحًا عن جميع أشكال القانون، إنها قانون فريد؛ فالشريعة الإسلامية هي جملة الأوامر الإلهية التي تنظم حياة كل مسلم من جميع وجوهها”.
وحديث جوزيف هنا عن ربانية المصدر الذي تميزت به الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات، حيث استقت منهجها واستوحت شريعتها ونالت شرف عظمتها من لدن حكيم خبير عليم، أما غيرها من الحضارات فمصدرها العقل البشري القاصر مهما علا وارتفع وادعى الكمال؛ لأن هذه العقول امتزجت بالأهواء والرغبات والأمزجة والشهوات، وطغت عليها الماديات وغابت الروح وحاجاتها ومتطلباتها وضرورياتها: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [سورة الجاثية: 23].
نختم اقتباسنا فى هذا المقال بالفيلسوف برناردشو، الذي يقول: “إني أُكِنُّ كل تقدير لدين محمد؛ لحيويته، فهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أن له طاقةً هائلة لملاءمته أوجُهَ الحياة المتغيرة، وصالحًا لكل العصور، لقد درست حياة هذا الرجل العجيب، وفي رأيي أنه يجب أن يُسمَّى “منقذ البشرية” دون أن يكون في ذلك عداء للمسيح”.
إنها شريعة الله الصالحة لكل زمان ومكان، والحق ما شهدت به الأعداء.