كيف ينعكس ضعف المعرفة التربوية عند الوالدين على التربية؟
الكاتب: أحمد الشيبة النعيمي
الوالدان هما المؤسسة التربوية الأولى التي تؤثر على تربية الطفل من قبل ميلاده من خلال التغذية الصحية للأم في فترة الحمل ومراعاة الأب لنفسية الأم، وتوفير البيئة المناسبة التي ستحتضن الطفل من لحظة الميلاد، ويستمر دور الوالدين بعد الولادة وفي مرحلة الرضاعة حتى وصلوهم سن البلوغ والرشد، وتؤكد الدراسات العلمية أن تأثيرات هذه التربية الوالدية ترافق الأبناء إلى أخر العمر.
وتأثير وعي الوالدين التربوي على أساليبهما التربوية وعلى الأبناء لا يقتصر على ارتفاع مستوى التحصيل العلمي، ولكن الدراسات العلمية تلاحظ هذا الجانب العلمي من التأثير لأنه تأثير قابل للقياس بوضوح من خلال نتيجة العملية التعليمية، فتأثير الوالدين يمتد إلى جميع جوانب شخصية الطفل ويؤثر على جميع مظاهر النمو واكتساب القيم والعادات الصحية وتقدير الذات والقدرة على المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمبادرة واتخاذ القرار وتحمل المسؤولية والاستقلالية والتفكير الناقد.
وأكدت دراسة علمية حديثة نشرتها دورية “تشايلد سايكولوجي آند سايكايتري” (أن التفاعل الوجداني بين الأب والرضيع ينبئ بالنمو العقلي والنفسي السليم للطفل. فكلما زاد تفاعل الآباء مع الرُضع وجدانيا، قلت فرص ظهور المشاكل السلوكية لدى الطفل في المراحل اللاحقة من العمر، والعكس. وكلما زاد دعم الآباء، أو من يقوم مقامهم، للأطفال عاطفيا في الصغر، زاد رضا الطفل عن الحياة لاحقاً، وتحسنت علاقته بمدرسيه وزملائه).
ورغم حاجة الوالدين الماسة للمعرفة التربوية في تحسين ممارساتهما التربوية فإن الكثير من الآباء والأمهات يفضلون الاعتماد على خبراتهم المحدودة والانطباعات العفوية والتقاليد التربوية المكتسبة من البيئة الاجتماعية دون تمحيص لهذه التقاليد والتأكد من موافقتها لتعاليم الدين ونصائح الخبراء ونتائج الدراسات العلمية، رغم أن التكنولوجيا الحديثة في عصر مجتمع المعرفة وثورة المعلومات وفرت الكثير من المراجع والموارد التعليمية لتثقيف الآباء بشكل سليم وإكسابهم الأساليب التربوية المثالية.
وفي هذا التكاسل عن اكتساب المعرفة التربوية خيانة لأمانة والمسؤولية وتفريط بالواجبات
وفي هذا التكاسل عن اكتساب المعرفة التربوية خيانة لأمانة والمسؤولية وتفريط بالواجبات، وإذا كان أحدنا لا يستطيع سياقة سيارة إلا بعد الحرص على حضور دورة قيادة لتعليم تقنية إدارة هذه السيارة وآداب المرور فإن قيادة الأسرة وتربية الأبناء أكثر أهمية من قيادة سيارة، وهذه التربية تستحق بذل الجهد من أجل اكتساب المعرفة التربوية.
لقد أمرنا الله بالاستزادة من العلم والمعرفة والوعي، لأن الله سبحانه وتعالى هو الخبير العليم ويدرك تأثير غياب المعرفة على التربية وأن الكثير من دروس التربية لا يعقلها إلا العالمون، ولهذا أمرنا بالحرص على الاستزادة من العلم ” وقل ربي زدني علما” والحرص على تعليم الآخرين ما نعرفه مما يجهلوه لينتفعوا به كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه” ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني “.
وتزداد الحاجة إلى المعرفة التربوية مع تزايد تعقيدات الحياة المعاصرة وظهور الكثير من المستجدات التي لم نعرفها نحن ولا آباؤنا، ويحتار حتى كبار التربويين في معالجتها، وتحتاج إلى متابعة دائمة لجديد المعرفة وخصوصاً في عصر الذكاء الصناعي وإمكانية ظهور مربيين روبوتات يقومون بوظائف لا يحسنها الكثير من الآباء. وقد توعدت السنة النبوية بالنار فئة من المسلمين لا يعملون على تحررهم من ضعفهم المعرفي والارتقاء بأنفسهم ولا يريد تحمل مسؤولية الأسرة ولا تنمية أموالهم كما جاء في صحيح مسلم أن أهل النار خمسة أولهم: الضعفاء الذي لا زبر لهم، الذين هم مجرد تبع للآخرين ولا يريدون الزواج ولا العمل والذي لا زبر له أي لا عقل ولا معرفة تربوية تعينه على التصرف.
والمربي الرابض عن التعلم واكتساب المعرفة التربوية هو المربي الرويبضة القاعد عن معالي الأمور الذي يتصدى للمهمات دون إعداد نفسه لها. فما أحوج الوالدين إلى الحرص على اكتساب المعرفة التربوية والارتقاء بأنفسهما، والحرص على إتقان أساليب التربية، وإعداد أجيال المستقبل.