
منهج وموضوعات العلاقات الدولية في المصادر الإسلامية
إن صناعة حياة هادئة على وجه الأرض مرتبط بشكل أو آخر بنوعية العلاقات الدولية التي تسود على الأرض، وهذه العلاقات من أجل أن تصل إلى مسارها الإيجابي والأمن، لابد لها من قيم إنسانية راقية وعميقة تؤمن بها دول فاعلة، تصنع لها أساليب وممارسات واقعية في العلاقات الدولية، تنعكس ضمن القانون الدولي.
وفي هذا الإطار نشير إلى القيم الإسلامية في العلاقات الدولية، وإلى نمط الممارسة التي أوجدتها الدولة الإسلامية الأولى، التي لاتزال الكثير من تلك الأدوات والمفاهيم تمثل جسر للعبور نحو علاقات دولية متماسكة وأمنة.
كما هو معلوم فإن الإسلام كدين قدم قيما سامية وراقية في العلاقات الإنسانية ككل، ومما يميز الدين الإسلامي، أنه يتضمن مفاهيم وقيم أساسية ليس فقط على مستوى الفرد، بل على مستوى الدولة والعالم، خاصة وأن الدين الإسلامي وفقا للقرآن الكريم يؤكد على عالمية الدين الإسلامي، بالتالي فإن القيم الإسلامية والممارسات السياسية، التي أقامتها الدولة الإسلامية الأولى، وطريقة تعاملها مع الدول، التي كانت قائمة في تلك الفترة، تمثل مراجع منهجية مهمة لفهم رؤية الإسلام للعلاقات الدولية.
وتبدو أهمية هذا البحث من أن العلاقات الدولية العالمية اليوم تمر بأزمات لا حصر لها أغلبها مرتبطة بالقيم المتداولة في عالم العلاقات الدولية الحالية، إذ يغلب على هذا العلاقات الدولية الرؤية الليبرالية، التي تدعو إلى المصلحة الوطنية، وإلى بناء النظام الدولي على أسس تحقق مصالح الدول الأقوى، وهذا ما يجعل العالم يفتقد ركنا أساسيا فيه، ألا وهو الأمن والاستقرار العالمي.
لفهم رؤية الإسلام للعلاقات الدولية لابد من الإشارة إلى منهج الفقهاء المسلمين، والموضوعات التي تناولوها في العلاقات الدولية، وقد سطر المفكرون والفقهاء المسلمون العديد من الكتب والمراجع في العلاقات الدولية، كما ناقشوا الكثير من التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالقضايا الجوهرية فيها، ويشير بعض الباحثين إلى أن الفقهاء المسلمين قد ناقشوا فعليا قضايا لم تناقشها المناهج الغربية حتى الآن، ذلك بسبب خصوصية الموضوعات التي تثيرها الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية.
لكن مما يجب التوقف أمامه، أن أغلب المراجع تركز في مقدماتها وموضوعاتها على تأكيد مبادئ الإسلام وقيمه في العلاقات الدولية، ومن ثم تؤكد على عالمية الإسلام في مفاهيمه وأحكامه، وأن الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية، هي الرؤية الأكثر رحمة بالإنسانية، والأكثر قدرة على بناء الحضارات الإنسانية.
يمكن تقسيم الفقهاء المسلمين زمنيا إلى فقهاء قدامى وفقهاء جدد، وهذا التقسيم الزمني له أهميته، لأن زوايا النظر لدى كل منهم، تختلف متأثرين بالزمان والحاجات الواقعية في العلاقات الدولية، ففي الوقت الذي كان فقهاء المسلمين القدامى يناقشوا العلاقات الدولية من موقع كونهم في دولة كبيرة وممتدة ولها نمطها العالمي، وقد كانت هذه الدولة هي التي ترسم الخطوط الأساسية للعلاقات الدولية.
أما الفقهاء الجدد غالبا ما يعتمدون على الفقهاء القدامى، ويخلطون مع فقه الفقهاء القدامى بعض المصطلحات الحديثة، وبعض المفاهيم النظرية التي ظهرت مؤخراً، لكن لا يبدو أنهم يضيفون الكثير لأنهم لا يعرفون الممارسة الفعلية والواقعية الحالية في العلاقات الدولية وتعقيداتها.
وإذا ما قمنا بمتابعة الكتب والمراجع التي كتبت في قضية العلاقات الدولية ورؤية الإسلام لها، تجد أنها تقوم بتصنيف المفاهيم والأحكام ضمن تصنيفين: الأول فيما يتعلق بأحكام العلاقات الدولية في الحرب والجهاد، والثاني فيما يتعلق بأحكام العلاقات الدولية أثناء السلم.
وفي كل من الصنفين تتم مناقشة قضايا متعددة، ففي الحرب يتم مناقشة مشروعية الحرب، وحالات البغي على الدول المسلمة من قبل الدول الغازية، وما يتعلق بها من حالات الأسرى والرهائن وأموال الغنائم، وحكم ارتكاب الجند جريمة في دار الحرب، وآليات التعامل مع الخداع أثناء الحرب، وكيفية التعامل مع التجسس وأحكامه، وبناء التحالفات وشروطها، ومع من يتم التحالف وكيف، بالإضافة إلى شروط التفاوض وأحكامه في الحرب، وصيغ الصلح وأحكامه، وموضوعات أخرى متعددة..
أما العلاقات الدولية في حالات السلم تتمثل بعدة قضايا أهمها إرسال الرسل وأنواع المعاهدات وأحكام التحالفات أثناء السلم والمواد الدستورية والقانونية الخاصة بالعلاقات الدولية ومعاييرها، والأحكام المتعلقة بالسفارات والبعثات الدبلوماسية.
لكن مما يجب التوقف أمامه، أن أغلب المراجع تركز في مقدماتها وموضوعاتها على تأكيد مبادئ الإسلام وقيمه في العلاقات الدولية، ومن ثم تؤكد على عالمية الإسلام في مفاهيمه وأحكامه، وأن الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية، هي الرؤية الأكثر رحمة بالإنسانية، والأكثر قدرة على بناء الحضارات الإنسانية.