المقالات

تأثير الأيديولوجيات بالعلاقات الدولية

من الموضوعات المهمة التي أثارت نقاشا كبيرا هو مدى التأثير والتأثر بين الأيديولوجيا والعلاقات الدولية، ففي القرن العشرين تأثرت سياسات الدول الداخلية والخارجية بالأيديولوجية، ويبدو أن الأيديولوجية كان لها أثر كبير في صياغة شكل العالم سياسيا وفق محاور وتحالفات أيديولوجية، ومن أهم الأيديولوجيات التي انتشرت في القرن العشرين، النازية، والفاشية، والشيوعية، والليبرالية.

كما هو معلوم فان كل من هذه الأيديولوجيات كانت تتركز في دولة او اكثر، بل إن الشيوعية رسمت محورا عالميا مرتبط بالاتحاد السوفيتي، مقابل المحور الليبرالي المرتبط بالولايات المتحدة الامريكية، وخلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها حدثت أحداث كبيرة،  ومواجهات سياسية وعسكرية أحيانا،  في أماكن متعددة بين عدة دول مرتبطة بهذا المحور أو ذاك ، كما أن دول كل من المحورين كانت تأخذ موقفا متصلبا من دول المحور المعادي، وعاش العالم تحت وطأة خطر اشتعال الحروب بينهما، ومن ثم نتيجة معرفة الطرفين خطورة التصعيد العسكري المدمر توصل الطرفين إلى صيغة الحرب الباردة ، وهي شكل من أشكال الحرب ما دون المواجهة الشاملة.

وفي المرحلة الحالية خاصة مع تصاعد أهمية الراي العام ونتيجة قوة وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الأيديولوجيا في العلاقات الدولية متزايدة التأثير في القضايا التي تثير النزعات العنصرية او الطائفية او المذهبية.

مستوى الدول التي تدين بأيديولوجية ما وقوتها، حيث يتحدد تأثير الأيديولوجية على العالم وعلى العلاقات الدولية، بنوع الدول التي استطاعت تلك الأيديولوجية أن تتغلغل فيها

 رغم أن الأدبيات السياسية المعاصرة تتحدث عن موت الأيديولوجيا، إلا أن تأثير الصراع الأيديولوجي يبدو أنه لايزال قويا، إذ ظهر مؤخرا في الحرب في سوريا، من خلال تدخل المليشيات الطائفية الشيعية القادمة من عدة دول تحت رعاية الدولة الإيرانية، و ظهر في الموقف العنصري من اللاجئين من قبل اليمين المتطرف في العديد من الدول، والذي ترك ظلاله على العلاقات الدولية في هذه الدول، وترك ظلاله على العلاقات بين دول متعددة مثل تركيا واليونان وألمانيا والدانمارك وغيرها، كما ظهر في الشعبوية السياسية التي بدأت تنمو في أوروبا وأمريكا، وتحاول أن تفرض رؤى متطرفة على العلاقات الدولية، وتدعو إلى الانغلاق على القوميات والعصبيات الإيديولوجية، وانغلاق الدول على ذاتها.

والأيديولوجيات تقسم إلى ثلاث أنواع

  • الأيديولوجيات الفرعية وهي إيديولوجيات تنتشر داخل الدولة ويتبناها قطاع معين من المجتمع والدولة.
  • الايديولوجيات القومية تنتشر على مستوى الدولة وغالبا ما تكون قضاياها تتعلق بالانتماء العام للدولة، او لمجموعة دول تربطها معها رابط قومي أو إيديولوجي.
  • الايديولوجيا الدولية تتبناها عدة دول كما هو الحال الماركسية، أو الليبرالية، أو الإسلام، أو الايديولوجية السنية، أو الأيديولوجية الشيعية (على فرض القبول الافتراضي أن الإسلام أيدلوجيا أو الفكري السني أيديولوجيا، وهذا أمر يحتاج إلى بحث في موقع أخر)

عادة الأيديولوجيات الفرعية أقل تأثيرا في العلاقات الدولية، أما الأيديولوجيات القومية والدولية فهي الاكثر تأثيرا، ولقياس تأثير أيديولوجيا ما على العلاقات الدولية، يجب مراعاة العوامل المؤثرة كمايلي:

  1. طبيعة تأثير الايديولوجية على مؤيديها، فإذا كانت هذه الايديولوجيا تؤثر بشكل حاد ومباشر على معتقدات المؤيدين، وتضع معايير صارمة على التعامل مع المخالفين، كما هو الحال في بعض الايديولوجيات القومية أو الدولية التي تتشدد في رفض أيديولوجية دول أخرى أو معسكر دولي كامل أخر، وكمثال على ذلك رفض مؤيدي الأيديولوجيا الشيوعية لبناء علاقات دولية إيجابية مع الدول الليبرالية.
  2. طبيعة أهداف الأيديولوجية، إذا ما كانت هذه الايدولوجية لديها أفكار أو معتقدات تؤثر على الأمن والتعاون بين الدول، كما هو الحال في الأيدلوجية الصهيونية التي تؤثر على أمن الدول العربية والإسلامية، أو كما هو الحال مثلا في الاختلاف الأيديولوجي بين الهند وباكستان مثلا.
  3. عدد الدول التي تتبع لأي من الأيديولوجيات الدولية، وأيضا عدد التابعين لهذه الأيديولوجية في كل دولة، وأهمية المراكز التي يشغلونها في الدولة أو في المؤسسات العالمية، ما إذا كانوا داخل السلطة أو خارجها،
  4. مستوى الدول التي تدين بأيديولوجية ما وقوتها، حيث يتحدد تأثير الأيديولوجية على العالم وعلى العلاقات الدولية، بنوع الدول التي استطاعت تلك الأيديولوجية أن تتغلغل فيها، فإذا كان من ضمنها دول كبرى فمن المحقق أن يختلف تأثيرها في السياسة الدولية مما لو كان هذا التأثير محصورا في إطار الدول الصغرى وحدها [1]

[1] إسماعيل صبري مقلد، 1991: العلاقات السياسية الدولية، مكتبة الأكاديمية، القاهرة ، ط1، ص67.

د. مكارم بديع الفتحي

باحث في علم النفس السياسي دكتوراة في العلاقات الدولية في جامعة كاربوك في تركيا ماجستير بعنوان الاستراتيجية الأمريكية تجاه الإسلام السياسي في المنطقة العربية وأفغانستان من جامعة كاربوك في تركيا معني بتوظيف علم النفس السياسي في تحليل وفهم السلوك السياسي في المنطقة العربية. عمل مدير لبرنامج الصحة النفسية والحماية الإنسانية ومدير تنفيذي في المنظمات الإنسانية. لديه العديد من التدريبات حول صناعة الخطاب السياسي وبناء فرق حل النزاعات لديه العديد من المشاركات في الفضائيات العربية في قضايا نفسية وسياسية.

د. مكارم بديع الفتحي

باحث في علم النفس السياسي دكتوراة في العلاقات الدولية في جامعة كاربوك في تركيا ماجستير… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى