
العلاقات الدولية من منظور إسلامي – تعريف العلاقات الدولية
مقدمة
منذ معاهدة وستفاليا عام 1648 بدأ العالم مرحلة جديدة من العلاقات السياسية بين المجتمعات، حيث إن ظهور مفهوم الدولة القومية، وتبلور الدول بحدودها الحالية، جعل شكل العلاقة بين هذه الدول يتغير ويفرض قواعد جديدة لم تكن من قبل.
منذ تلك الفترة حدث في أوروبا تحولاً كبيراً فكرياً واقتصادياً وسياسياً، وحدث معه تبدلات بموازين القوى، بالمقابل أيضا فإن القيم السياسية والأخلاق السياسية طرأ عليه الكثير من التبدل، فظهرت فلسفات تدعو إلى ممارسة العلاقات الدولية على أسس غير أخلاقية، بل على أساس موازين القوى، وأصبح الهدف الوحيد السعي إلى المكاسب السياسية دون الاعتبارات الأخلاقية، فأصبحت سياسات الدول منفلته من قواعد الأخلاق، وحتى القانون الدولي علما أن القانون الدولي قد أعد بشكل يخدم مصالح الأقوياء.
في ظل هذا العالم أصبحت العلاقات الدولية شديدة التعقيد وكذلك دراستها وفهمها يحتاج إلى الكثير من الدقة والحكمة، ولذلك لايزال الباحثون في العلاقات الدولية يبحثون عن مناهج أكثر عمقا لفهم العلاقات الدولية، بل ويبحثون عن النظريات السياسية التي تحقق الأمن الدولي والعلاقات الدولية المتوازنة، فهل يمكن تحقيق هذه الرؤية؟؟
تعريف العلاقات الدولية
مرت العلاقات الدولية بتاريخ طويل من الأحداث، بل ومن عمليات التطور والنمو فلم تنقطع العلاقات بين الأمم والمجتمعات يوما لكن مع كل يوم يحصل فيه تطور في المجتمعات يحدث مقابله تطور وتبدل في شكل العلاقات الدولية.
العلاقات الدولية لم تصبح علما أكاديميا إلا بعد الحرب العالميـة الأولى، بعد تبيها من قبل جامعة ويلز، لذلك فإن تعريفاتها مازالت حديثة ومتغيرة، ومن أبرز تعريفاتها ما ذكرته الموسوعة البريطانية على أن العلاقات الدولية هي العلاقات بين حكومات دول مستقلة، وهذا التعريف يستعمل كمرادف لمعنى السياسية الدولية، وهو يعطي أهمية للعلاقـات بين الدول المستقلة [1] فقط، وينظر إليه على أنه محدود جدا.
أهمية دراسة العلاقات الدولية تنبع من تأثيراتها الهائلة على السلام العالمي، فالعلاقات الدولية وتنظيمها مسألة حياة أو موت للمجتمعات والدول والأفراد، ففي حال غابت العلاقات الدولية السليمة وفي حال لم تكن هناك رؤية عميقة وتفصيلية فعالة للعلاقات الدولية فإن هذا قد يقود العالم نحو مخاطر لا حد لها
يعرف الباحث طه بدوي في كتابه مدخل إلى عالم العلاقات الدولية مفهوم العلاقات الدولية على انها العلـم الـذي يعنـى بواقـع العلاقـات الدولية واستقرائها بالملاحظة والتجريـب او المقارنـة مـن اجـل التفـسير والتوقع [2]
من الملاحظ أن كلا من التعريفين ينظران إلى العلاقات الدولية من جانب مختلف عن التعريف الأخر، ففي الوقت الذي عرفت الموسوعة البريطانية العلاقات الدولية تعريفا اجرائيا يصف واقع العلاقات بين الدول كأن تعريف طه بدوي يهتم بالأسلوب العلمي في توضـيح العلاقـات الدولية وغايتها وتوقع ما سيتم من ظواهر في إطارها، ويركز على الأدوات المنهجية التي يجب أن يستخدمها الباحث من اجل الوصول إلى فهم العلاقات الدولية وبنيتها وتكويناتها.
يمكن القول أن العلاقات الدولية تتضمن العلاقات بين الدول من مختلف جوانبها كالعلاقات بين المكونات البشرية لهذه الدول من شعوب وسياسيين ومسؤولين حكوميين وأيضا العلاقات بين المكونات البنيوية للدولة من مصادر جغرافية وعناصر قوة للدولة وتبادلات تجارية وغيرها
أهمية دراسة العلاقات الدولية تنبع من تأثيراتها الهائلة على السلام العالمي، فالعلاقات الدولية وتنظيمها مسألة حياة أو موت للمجتمعات والدول والأفراد، ففي حال غابت العلاقات الدولية السليمة وفي حال لم تكن هناك رؤية عميقة وتفصيلية فعالة للعلاقات الدولية فإن هذا قد يقود العالم نحو مخاطر لا حد لها.
بالطبع فإن التعريفات والمفاهيم المتعلقة بالعلاقات الدولية متنوعة ومختلفة فكل يرى من زاويته، وما لا شك فيه فقد تعددت النظريات في مبادئ وقيم العلاقات الدولية، بل وأهدافها وكيفية تعامل الدول مع كل القضايا الخلافية الناجمة الاختلاف في المصالح بين الدول.
على ضوء ذلك تقدم الباحثة منى اقنيبي تعريفا متميزا للعلاقات الدولية، يسلط الضوء على زاوية تعبر عن رؤية الإسلام للعلاقات الدولية بانها عبارة عن روابط في التعامل بين دولة وأخرى وفقا لأساس عقدي أو فكري يحدد طبيعة تلك العلاقات، وقد درس فقهاؤنا هذه المعاملات الخارجية في كتاب السير أو الجهاد أو المغازي وإن اختلفت التسميات والإطلاقات في العصر الحديث [3]
هذا التعريف يركز على البعد الأخلاقي والقيمي والديني للعلاقات الدولية ولعل هذه الإشارة مهمة جدا لأن معظم الباحثين يلاحظون أن العلاقات الدولية الحالية تواجه أزمة أخلاقية حادة
العلاقات الدولية عملية شديدة التعقيد على مختلف الصعد، ولا يمكن للحكومات والدول أن تتركها تمضي هكذا بدون ضوابط وبدون متابعة معمقة ودقيقة ورؤية كاملة، لذلك فإن الحكومات حريصة على ضبط إيقاع المؤسسات والأفراد داخل دولتها على صعيد العلاقات الدولية بحيث لا يتاح لأحد منهم التحرك إلا وفق رؤيتها واستثماراتها في العلاقات الدولية.
من هنا نشأ مفهوم القوى العميقة للعلاقات الدولية، الذي يكشف عنه التاريخ الدبلوماسي بين الدول، إذ يشير التاريخ الدبلوماسي إلى أن العلاقات الدولية مرتبطة بالظروف الجغرافية والحركات السكانية والمصالح الاقتصادية والمالية وملامح العقلية الجماعية والتيارات العاطفية الكبرى، وهذه هي القوى العميقة التي تشكل إطار العلاقات بين المجموعات البشرية وتحدد الجانب الأوسع من عقليتها، ولا يستطيع رجل الدولة أن يغفلها في قراراته أو في مشاريعه [4]
[1] هايل عبد المولى طشطوش، 2010: مقدمة في العلاقات الدولية، الأردن، جامعة اليرموك، قسم العلوم السياسية، ط1، ص12.
[2] : محمد طه بدوي, 1972: مدخل إلى عالم العلاقات الدولية، دار النهضة العربية، بيروت ، ص 73.
[3] منى اقنيبي، 2002: القواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بالجهاد والعلاقات الدولية، جامعة اليرموك، الأردن، رسالة ماجسيتر، ص12.
[4] بيير رينوفان وجان دوروزيل ، 1989: مدخل الى تاريخ العلاقات الدولية ، منشورات بحر المتوسط ومنشورات عويدات ، بيروت ، ص8.