المقالات

علم النفس السياسي عندما يكون أداة لنهوض الأمة (1)

المقدمة

من الطبيعي أن أمة مثل الأمة العربية الإسلامية كان لها مجد عظيم، تحمل رسالة عظيمة للعالم، ترى أنها يجب أن تقود العالم لان لديها خاتم الأديان وآخر الرسالات العالمية، ومن الطبيعي إذا قارنا هذا التطلّع والهدف المسند بنصوص شرعية ومقولات فكرية، مع واقع هذه الأمة أن يكون هاجس النهوض واليقظة والعودة إلى ذلك المجد شغلها الشاغل.

فكرة النهضة واستعادة دور المسلمين تناولتها كتابات المفكرين المسلمين من مختلف الزوايا والاتجاهات ويمكن النظر إليها على أنها فرع خاص ومهم من فروع ومجالات الفكر الإسلامي خاصة خلال القرنين الماضيين.

والنهضة بهذا المعنى هدف عظيم للأمة بقصد إعادة مجدها ودورها الحقيقي، ذلك أن المسلمون يرون أنفسهم قادة العالم وحملة رسالة عالمية، أي أن النهضة لدى المسلمين ليست مجرد جهد لاستعادة دورهم كأفراد ومجتمع، بل هي نهضة عالمية ضمن هذا الإطار، فالمسلمون يريدون النهوض من أجل نشر فكرهم ودينهم ورسالتهم للعالم، وليس من أجل حياة مرفهة لهم فقط، او من أجل تحقيق قوة دولتهم ومجتمعهم الخاص.

هذه الميزة شديدة الأهمية والخصوصية للفكر الإسلامي والأمة الإسلامية، وقد لا تجد مثل هذا المنهج وهذا الفهم للنهضة لدى الأمم الأخرى التي تَكَرّس لديها في القرون الماضية مفهوم القومية، والتركيز على قومياتهم ومجتمعاتهم الصغيرة، فأصبحوا يتقبلون فكرة الصراع ضد الجميع من أجل الحفاظ على قوتهم الذاتية وقوميتهم الخاصة.

خصائص المشروع النهضوي للأمة الإسلامية فريدة، فرادة التفاصيل الشرعية والفكرية التي يقدمها الإسلام في كل تفاصيله الدقيقة في حياة الفرد، والمجتمع، والحضارة والعلم والاخلاق.

 كما أن مشروع النهضة لدى المسلمين يقوم على الإيمان العميق درجة اليقين بكل ما ورد في النصوص الشرعية القران الكريم والسنة النبوية والبنى المعرفية الفقهية من الناحية الأخلاقية والمعرفية التي تشتق ركائزها من هذه المرجعية

 كما أن مشروع النهضة لدى المسلمين يقوم على الإيمان العميق درجة اليقين بكل ما ورد في النصوص الشرعية القران الكريم والسنة النبوية والبنى المعرفية الفقهية من الناحية الأخلاقية والمعرفية التي تشتق ركائزها من هذه المرجعية، وهي التي تصبغ حياة الإنسان والمجتمع بصبغتها الخاصة، تلك الميزة التي سماها النص القرآني أنها صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة_ سورة البقرة، الآية 138.

لكن الشاغل التطبيقي والتنفيذي لمشاريع النهضة وإزالة ما علق لدى المسلمين من نقاط الضعف والوهن خلال القرون الأخيرة مع تراجع المسلمين وهزيمتهم العسكرية والسياسية، جعل الكثير من المفكرين المسلمين المعاصرين يفتشون في العلوم المعاصرة بحثاً عن طرائقها ومناهجها وأدواتها لعلها تساعدهم على إعادة بناء هذه الحضارة العظيمة وإعادة إطلاق طاقتهم والنهوض بقدراتهم وأفكارهم.

في هذا السياق يمكن فهم محاولات وجهود المفكرين المسلمين المعاصرين التي سعت لتحديد مسارات النهضة، ومن ثم تحليل الأسباب والدوافع والطرق والمفاهيم التي يمكنها أن تحفز عناصر القوة في المجتمع لتطلق مشروع النهضة الكبير، هذا المسار العلمي والفكري أثار الكثير من الحوار والنقاش بالإضافة إلى أنه قد بذلت فيه الكثير من الجهود المضنية، والأمثلة على ذلك متعددة منها جهود مالك بن نبي وجاسم سلطان وغيرهم.

مكونات النهضة وابعادها

نهضة أي أمة تعني قدرتها على تحديد عوامل القوة التي يمكن أن تستند إليها وعناصر الضعف التي يجب أن تعالجها، والأمة الإسلامية تكمن عناصر قوتها في منهجها الفكري وبعدِها القيمي بالإضافة إلى بعض عناصر القوة المادية التي تتفق عليها العلوم السياسية المعاصرة.

ولما كانت العلوم السياسية المعاصرة تحدد عناصر القوة المادية للدول والمجتمعات على أنه ما تتضمنه المعطيات الثابتة المتعلقة بالدولة، أي تلك المعطيات المتعلقة بموقعها الجيبولتيكي ومواردها الاقتصادية (داخل الأرض وفوق الارض).. ومواردها البشرية وغيره، وهي ما تمثل المادة الخامة للقوة السياسية لكل دولة وهي بالطبع الإمكانات التي وهبها الله سبحانه وتعالى لها.

بالإضافة إلى معطيات لا تقل أهمية تتمثل بالمستوى الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي الذي تتمتع به الدولة حالياً، وهي من منجزات الإنسان، في المقابل فإن طريقة التفكير السياسي واتخاذ القرار وتركيبة القيادة والايديولوجيات والأفكار السياسية التي تحرك العملية السياسية في المجتمع تبدو في السنوات الأخيرة هي العوامل الأكثر تأثيراً في العملية السياسية وقوة الدولة والمجتمع على الصعيد العالمي وضمن العلاقات الدولية، هذه البُنى التي تستند عليها القوة السياسية للدولة، هي في إطار النهضة تمثل عناصر النهضة التي لا يمكن لمنظّر للنهضة الإسلامية إلى أن يضعها باعتبارها مرتكزاته الأساس في مسار النهضة الطويل.

إن العلم الذي يستطيع أن يساعد بشكل كبير الفاعلين الحقيقين في مشروع النهضة الإسلامية – بتقديرنا – وهو علم النفس السياسي الذي يلعب دوراً مهماً في تحليل الأفكار والمفاهيم الأكثر أهمية للنهضة وتحفيز قدرات الأفراد نحو الإيمان العميق بقضايا النهضة، بل في تسديد وتصويب خطط وأنشطة الفاعلين والناشطين المجتمعين والسياسيين ضمن إطار وعي إسلامي متنامي.

مفهوم علم النفس السياسي

علم النفس السياسي في التعريفات والمراجع العلمية الحديثة هو العلم الذي يدرس تأثير الجوانب النفسية أثناء ممارسة الإنسان للأدوار السياسية المتعددة، وباعتبار أن الانسان يشرك جميع مهاراته وقدراته النفسية وأفكاره وخططه وقراراته من أجل تحقيق أهدافه السياسية، وبالتالي فإن تحليل أفكار ومهارات وممارسات ومشاعر وسلوك الإنسان السياسي هي الموضوعات التي يركز  علم النفس السياسي على دراستها.

ويعرّف علم النفس السياسي على أنه فرع من العلوم النفسية يدرس مكونات السلوك والأفكار والمشاعر الإنسانية وعلاقتها بالحياة والممارسة السياسة، فهو يركز على فهم كيفية تأثير العوامل النفسية، مثل المعتقدات والقيم والعواطف، على سلوك الأفراد والجماعات في السياق السياسي.

كان تركيز علم النفس السياسي في بداية ظهوره على الأفكار السياسية التي يعلنها الأفراد والجهات السياسية وتحليلها، لكن ما لبث أن تبين له أن هذا القدر غير كافي لتفسير السلوك السياسي، وفي الآونة الأخيرة أصبح يعدد وينوع الموضوعات التي يدرسها، بل يحاول فهم الدوافع الكامنة وراء السلوك السياسي، وتأثير العوامل الفكرية المعرفية والثقافية التي تراكمت لدى المجتمعات والأفراد عبر التاريخ لتؤثر في شكل السلوك السياسي الحالي.

بمعنى آخر لقد أصبحت هدفاً للبحث في علم النفس السياسي أفكارك ومشاعرك وسلوكك ومهاراتك وقراراتك السياسية، أياً كان تموضعك من السياسة كمواطن، أو سياسي معارض، أو كمحلل سياسي، أو كسياسي في السلطة.. وغيره، حتى وإن كنت شخصاً لا تمارس السياسة، أو حتى أن تكون ضد الاهتمام بالسياسة، فأنت في كل الأحوال هدف لدراسة علم النفس السياسي، لتحديد أبعاد وأسباب نشاطك السياسي وشكله أو عزوفك عن السياسة.

ولكن عندما نتكلم عن مفهوم علم النفس السياسي ضمن المنحى النهضوي، يكون تركيزنا منصباً على تحديد القوى والطاقات النفسية للوصول الإنسان النهضوي القادر على القيام بعملية النهوض الحضاري، بمعنى قضايا بناء الإنسان القادر على حمل لواء نهضة الأمة، ومواجهة التحديات، ومن أهم هذه القضايا هي صناعة الإيمان العملي بقضايا الأمة الكبرى والاستعداد والحضور للبذل والعطاء، وربط هذا الجهد بالأجر والثواب الذي لا يفتأ القران الكريم والسنة النبوية أن تعلنه لكل أصحاب القضايا الكبرى والأعمال العظيمة، أي أننا سوف نركز أيضا على تأصيل المحتوى الفكري والمعرفي الإسلامي في صناعة الثبات النفسي والصمود أمام المحن والقدرة على ابتكار وإبداع الحلول الواقعية والفكرية التي تطلق النهضة وتعزز مساراتها.

إذا لهذا العلم دوره في إعداد الإنسان إعداداً حضارياً، وتنظيم قدراته وابعاده النفسية والمعرفية والسلوكية، فلا نهضة حقيقية دون تأصيل حقيقي للأبعاد النفسية للإنسان الذي يبني ويؤسس لبنات النهضة ولعل هذه السمة المركزية للنص القرآني الكريم والسنة النبوية

إذا لهذا العلم دوره في إعداد الإنسان إعداداً حضارياً، وتنظيم قدراته وابعاده النفسية والمعرفية والسلوكية، فلا نهضة حقيقية دون تأصيل حقيقي للأبعاد النفسية للإنسان الذي يبني ويؤسس لبنات النهضة ولعل هذه السمة المركزية للنص القرآني الكريم والسنة النبوية فإن النص القرآني قد شرح في الكثير من الآيات الكريمة صور وخطوات صناعة الثبات النفسي وجعلها الأساس لبناء الإسلام في منذ أيامه الأولى.

في هذه المقالة نشير إلى الأهمية العلمية لهذا التخصص ونشدد على ضرورة لفت انتباه المفكرين المسلمين والشباب حملة الطموح بالنهضة الإسلامية القادمة والمشاريع التغيّرية الاجتماعية والسياسية الإسلامية لأهميته، وفي المقالة القادمة سنحاول أن نفصل في البعد التطبيقي لعلم النفس السياسي في مشاريع نهضة المسلمين.

د. مكارم بديع الفتحي

باحث في علم النفس السياسي دكتوراة في العلاقات الدولية في جامعة كاربوك في تركيا ماجستير بعنوان الاستراتيجية الأمريكية تجاه الإسلام السياسي في المنطقة العربية وأفغانستان من جامعة كاربوك في تركيا معني بتوظيف علم النفس السياسي في تحليل وفهم السلوك السياسي في المنطقة العربية. عمل مدير لبرنامج الصحة النفسية والحماية الإنسانية ومدير تنفيذي في المنظمات الإنسانية. لديه العديد من التدريبات حول صناعة الخطاب السياسي وبناء فرق حل النزاعات لديه العديد من المشاركات في الفضائيات العربية في قضايا نفسية وسياسية.

د. مكارم بديع الفتحي

باحث في علم النفس السياسي دكتوراة في العلاقات الدولية في جامعة كاربوك في تركيا ماجستير… المزيد »

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى